رمزي الغزوي
اليوم أنا حزين جدا فعالمنا المرتبك المشدود كقنبلة عمياء يفقدُ قائدةً من صنف قلما يتكرّر في صفحات التاريخ ومفاصله اليوم نفقد قائدا سيكون مقياسا حساسا نقارن به كل من سيتسلم موقعا عاليا في قيادة الدول والمجتمعات أو حتى تسلمها من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تترجل عن سدة الحكم بسلاسة شم وردة في حديقة أو رشفة قهوة من فنجان بارد.
فيما مضى كأن الألمان يعيشون عقدة موجعة لم يستطيعوا يوما تجاوزها كيف لهم أن ينسوا أنهم أوصلوا أودليف هتلر إلى هذا المنصب من قبل ولكنهم اليوم سيتخففون من تلك العقدة بعد نجاحهم بتقديم قائد نموذج في كثير من أفعاله وأقواله لم يعلن يوما أن بلاده فوق الجميع كما فعل هتلر من قبل بل مع الجميع وللجميع وبالجميع.
اليوم تغادر هذه السيدة المحتشدة بالحياة والذكاء والإنسانية، وما زال يلفتني اعترافها خلال لقاء تلفزيوني باقتراف فعل طائش أيام مراهقتها وعندها تداعى إلى مخيلة الكثيرين شبهات أفعال بذيئة لربما جنحت إليها صبية محبة منفتحة الآفاق تواقة للتجريب وحين كان الفعل الطائش، ليس تدخين سيجارة وحيدة، وإنما إخفاء الأمر عن والديها.
كان سيبدو أن اعترافاً مثل ذلك سخيف في نظر أقطاب كثيرة في عالمنا، لكنه ما زال خطيئة في روح من ترى أن الصدق أساس الأشياء كلها الصدق مع النفس والحياة والناس وكان بإمكانها أن تبقي شفتيها مطبقتين، إلا أن الضمير الحي يأبى إلا أن ينفث خلجاته. ولربما هذا هو التطهر، أو السمو الإنساني، في أبسط معانيه وأعمقها.
كل قائدة من بعدها، أو حتى من قبلها ستقارن بها وبأفعالها ومواقفها من جسيندا أردرن في نيوزيلندا، وسانا مرنيلا مارين في فيلندا، ومارغريت تاتشر، أو كليوبترا، أو زنوبيا، أو سميراميس وغيرهن فميركل كان لديها شيء قلما توافر في غيرها الإنسان في أبهى معانيه.
لم يصل إلى مستشارية ألمانيا بمثل هذا العدد من المرات إلا العظيم هولمت كول وهو بالمناسبة من اكتشفها وأخرجها من برودة مختبرات الفيزياء، وسلّمها وزارة المرأة والشباب، لتحلق فراشة في فيزياء الحياة وديناميكيتها، وروحها الحية، وتبرهن أن الخيال ما زال أهم من المعرفة لبناء حياة بني الإنسان، إن كان الصدق نواتها.
وسيبقى في بالي أننا نحتاج إلى خيال رؤساء مجددين، وزعماء ملهمين للآخرين، وليسوا (مُلهَمين من قوى خارقة). نحتاجهم ليبعدوا الحروب والكروب، ويبطلوا البطالة، ويعمّروا ويثمروا، ويفكروا بعقل جمعي كالرقيقة/ الفولاذية ميركل.