احمد سعد العنانزه
ليلة الأمس زارني صديق لي مذ كنّا على مقاعد الدّراسة ، وكلمة صديق لم تعد تحمل ذاك الضمون البريء الّذي كنت أشعر بهِ أيّام كانت النّفوس نقيّه ، حقيقة لم أحسّ بتلك السّعادة الغامرة بزيارته كما كنّا صغاراً لا نعرف إلاّ مواعيد اللّعب ، وتلك المحطّات المخيفة حين كنّا نتأخر بالعودة للبيت ، ونفكّر حينها ألف مرّةٍ كيف السّبيل للتّملّص من المسائلة والمحاسبة حتّى ! حين كانت الأم لا يهدأ لها جفن ، وهي ترقب عودة إبنها الّذي ألحّ عليها للذّهاب إلى ملعب المدرسة والعودة مع غروب الشّمس ، وإن غربت الشّمس ولم يعد خيّم التّوتّر بأرجاء البيت ، وعقد اجتماعٌ طارئ على مستوى العائلة ، الأب والأم وأكبر الأبناء إن كان الغائب الأصغر ! أمّا اليوم وقد هوت الواجبات في السّحيق ، وتمرّد الإبن وتمادت البنت وانشغلت الأم بالتّفاهات وغاب الأب بالقلب والرّوح والعقل ، ولم يتبقّى منه إلاّ جسداً خاوياً تفشّت في ثناياه الهموم ، تجد له عيوناً وآذاناً ولساناً ، ولكنّه بالفعل كالصّمّ العمي البكم الّذين لا يفقهون ، تجرّد من مسؤوليّاته الكبيره ، وتجرّدت معه الأم من كلّ واجباتها الأسريّه ، فتفلّت الأبناء إلى طرق السّوء والرّذيلة يعيثون فساداً وإفساداً ، من التّدخين إلى التّغيّب عن المدرسة إلى التّسكّع على مفترقات الطّرق لمدارس البنات ، إلى السّكر ، إلى التّحشيش ، إلى التّخنيث ، إلى السّرقة وقد يصل الأمر إلى القتل !
يا صديقي ما أشبه الأمس باليوم ، ولكّنّي حقيقة لم أشعر بالسّعادة بمجيئك ، فأنا الآن لست بحاجة لوجودك ، وأصبح الفيسبوك هو صديقي الرّوحي والنّفسي ، أعشقه جدّاً جدّاً ، وليس بوسعي الإستغناء عنه ولو للحظةٍ واحده ، يضيق صدري إن تعطّل التّيّار ، يرافقني أينما كنت ، ولا نفارق بعضنا أبداً ، حتّى عند النّوم وبعد أن يغالبني النّعاس أحاول أن أستجمع قواي لشدّة لهفتي له وعليه ، أما وإن لم تعد عيناي تحتمل ، أستسلم للنّوم ولكن لا يخلو الأمر كلّما صحوت لأمرٍ ما ، أن أتفقّد صديقي الفيس وأطمئن على أحواله ، أصلّي الفجر بكلّ ما أوتيت من سرعه ، أعود إليه وأجده بانتظاري بكل الشّوق والرّقة والحب ! لذا لا أخفيك امتعاضي من زيارتك فأنت تشغلني عمّن أحببت ، وقطعت الوصل بيننا ، فإن أردت الجلوس فالعذر منك ! فلا قدرة لي ولا سبيل على مجالستك ومسامرتك ، فالعقل والقلب والفكر كلّه مشغول بمن عشقت ، لا تستغرب يا أخي ! فأنا شغلت عمّن هم أهم منك بكثير ، وأولى بمجالستي من بآلاف المرّات ، الأم والأب والأخ والأخت وعائلتي أيضاً ، جميعهم باتوا في طيّ النّسيان .