د. مفضي المومني.
قالتها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها للحجّاج لمّا قتل ولدها عبدالله بن الزبير وتركه مصلوبا ثلاثة أيام (أما آن لهذا الفارس ان يترجل) فتمعر وجهه واسحى وأمر بانزاله ودفنه…!
وتستفزني هذه القصة من التاريخ… حين اسقطها على فلسطين وأمة الأعراب والمسلمين؛ فلسطين محتلة ومصلوبة على أعواد القتل والإذلال والتنكيل من محتل غاصب، تدعمه قوى الشر العالمية وشرذمة الإنبطاحيين الخونة من أباء جلدتنا… والأعراب يعيشون زمن الإغتراب عن تاريخهم وعقيدتهم وينخرهم الهوان… والمسلمون تأهون في غيهم يعمهون… والشعوب أشد غياً من سفاحيها ودعاة الخنوع المارقين… ونقترب من قرن من الزمان والهوان والخذلان… ونكرس الإحتلال… بسلاح شجب المشجوب واستنكار المستنكر من جرائم الإحتلال… آخرها اقتحام الأقصى والآن إقتحام جنين ومخيمها… !؛ فصح فينا الصلب… واعتلينا اعواده… ورضينا بالحال… خانعيين مجبرين… وهانت علينا فلسطين وهان علينا الهوان… والذل واستمرئنا صنوفه..والإحتلال يسومنا سوء جرائمه واغتصابه لفلسطين ولعقولنا… !
وهنا لعل أسماء بنت ابي بكر تخاطبكم… مثلما خاطبت الحجاج… لعل الفارس النائم فيكم… أن يترجل… أو يمضي نحو حتفه مرة أخرى… ويختفي… إلى الأبد أو إلى حين… والله غالب على أمره… .
كتبت منذ بضعة أشهر عندما أقتحم الإحتلال المسجد الأقصى… وأراني اكرر ما كتبت في عارنا (شجب المشجوب واستنكار المستنكر)… ولعل هذا الفارس أن يترجل… وأن لا نتسابق لصلب جديد ونخذل ذاتنا وأمتنا مثلما تعودنا.
حسنا فعلت إحدى وكالات الأنباء عندما أوقفت بيانات الشجب والاستنكار العرمرمية بعد جريمة إقتحام الأقصى الأخيرة، ولكل ما يحدث لشعبنا في فلسطين من جرائم الإحتلال… حيث وصفتها أنها (لا خبر… ولا نبأ… ولا فعل يسجل لنا… !)، وفي اقتحام جنين ومخيمها من عساكر الإحتلال… ،
قد يكون ذلك مقبولاً من قبل دول بعيده صديقه أو رفيقه، أو شخصيات سياسية أجنبية، أما أن يصبح الشجب والإستنكار فرض عين نتشدق ونتفطحل به بأشد العبارات كل ذات جريمة ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل، تصَدَّر وتصاغ من قبل الأعراب والأحزاب والشخصيات الإنتهازية المتسيسة وأحزاب العلاقات العامة (أحزاب مبارح…وأول مبارح… !) … وهي صاحبة القضية..!، معتقدة أنها ( أدت الواجب..وتنتظر وسام التصفيق من كل رفيق… !)… مكرراً منذ النكبة…ولآخر إقتحام نعيشه الآن في جنين… ومن ثم نعود بعدها لحياة الرغد وملاهي الحياة والتصارع على أي الأحزاب الذي ستوصلكم للوزارة أو النيابة أو (السُلطة أو السَلطه..!)، وأنتم تعرفون أن العدو يستهدف الجميع، وعينه على كل وطننا العربي من شرقه إلى غربه، وما حادثة نشر الخارطة لدولة الإحتلال من قلب باريس لتشمل الأردن، إلا شذرة مخبئة في أذهانهم ومبادئهم وبروتوكولاتهم… أعلنوا بعضاً منها؛ ويشتغلون على بقية الطبق..! لمقبل الأيام، ليس قولا، لا بل فعلاً واستراتيجيةً مدروسة، يرسخون مفاهيمها أيديولوجياً في أذهان صغارهم وكبارهم… وجعلوها نشيداً وطنيا، نسمعه كل يوم… (ونغرش)… وندفن الرؤوس في الرمال أو تحت لحاف الجبن والإنكسار…الذي بلي وتهالك وعفن وملنا… !، والتي رسخوها فينا… تخاذلاً منا أو جبناً، أو خيانةً لدعاة التطبيع وتجار الأوطان، بعد أن أخذ منهم الفساد ومال الخيانة مأخذه، ليصبح تكريس بعبع الإحتلال منفعه لاستمرارهم وعدم كشف سؤاتهم…!.
ثم إن الشجب والإستنكار والإدانة… أصبحت مدعاة لقتل الروح المعنوية والصمود لأهلنا تحت الإحتلال الغاشم، وتكريس لجرائم الإحتلال، ولأن العدو جرنا إلى أقصى ما يريده؛ شجب إستنكار إدانة، والسلام، ولا غير…مما شجعه على عدم المبالاة بما يفعل من قتل وإقتحامات وتخريب، وإذلال لشعب فلسطين البطل، بطرق همجية وقحة وفجة لا تأخذ بالاً لرد فعل؛ أقصاه الشجب والندب والبكاء على الأطلال…، بحيث أصبح ذلك عادة لا بل مخدر ومنوم نتناوله بعد كل جريمة للإحتلال، معتقدين أننا أتينا بطولة لا يشق لخذلانها غبار.
شجب المشجوب وإستنكار المستنكر وإدانة المدان هي في النهاية فعل جبان ومتخاذل ووصمة عار، بما أنه لا يملك فعلاً مؤثراً ولا يُعد أمة لإستعادة مجدها وتحرير أرضها ولا يستغل مقدراته ونفوذه للجم المحتل ومن يدعمه… وتذكروا سلاح النفط عندما استخدمه الملك فيصل..!، ولأن وقع ذلك على أخوة الدم في فلسطين ثقيل ومستهلك ومرفوض وممجوج ولا يطاق، ويحبط فيهم عنفوان البطولة والمقاومة، لأنه يثبت لهم أنهم لوحدهم… وأن فزعتنا فزعة؛ ( عناك وما أنا عندك… قاوموا حتى آخر طفل وشاب وشيخ فيكم… وإنا ها هنا قاعدون… ومركيين دلالنا)…!.
طيب… ستاسئلون؛ ماذا نفعل إذاً..؟ فأقول لكم إستنكاراً وعلى طريقتكم… والله ما بعرف..!،
نحن أمة تمتلك الأدوات والمقدرات، والدين والأيديولوجيا،والكثير من أدوات القوة… ونستطيع أن نثبت ذاتنا بين الأمم… ونطرد المحتل… ونسطر النصر… ولكن بغير كل أدواتكم التي كرستموها وارتضيتموها وتودتموها بالوراثة… لأنفسكم ولشعوبكم، وسوقتموها عنواناً للجهاد الأكبر…! وهي خاوية لا تحمل إلا الإنكسارات وإضعاف العزيمة والهمم وتكريس وهن العيش والقبول بذل المحتل…!.
فهل نتأدب من الآن فصاعداً أمام شعبنا المحتل والمكلوم… عن بيانات الشجب والإستنكار والإدانة… ونذهب لحالة الفعل القومي والعربي… وابدأو بأنفسكم قبل قادتكم… وإلى حين ذلك… أعيرونا صمتكم وتوقفوا عن إهانة الوجدان العربي واللغة العربية… باستخدامكم أشد عباراتها… وهي أشد الذل من حيث تدرون أو لا تدرون…! ولا تستبعدوا أن أخرج لكم غداً ببيان؛ أشجب وأستنكر فيه كل ما قلت…!
حمى الله فلسطين وأهل فلسطين، ولعل ذات الفارس أن يترجل…وتدب به الروح من جديد….
حمى الله الأردن.