اسعد العزوني
باديء ذي بدء ،لا بد من التأكيد على حرية الفرد أو الجماعة في الإحتجاج، على ما يظنون أنه ظلم من الدولة لحق بهم ،وتنص الدساتير كافة على ذلك من خلال التركيز على حرية الرأي والتعبير،ولكن وحتى يعطي الإحتجاج ثماره المطلوبة ،يجب الإلتزام بالقواعد والأسس اللازمة كي لا تخرج الأمور عن مسارها وتنقلب الأماني إلى آلام وندم.
وكذلك فإن من حق الدولة أي دولة أن تحافظ على أمنها ،شرط ألا تكون مصابة بفوبيا الأمن،فتقوم بقمع الجماهير المحتجة ،وتزيد من فاتورة الخسائر التي ستلحق بالمجتمع أولا بحجة الحفاظ على الأمن ،ومثل ما نطالب الجماهير بالإلتزام بالقواعد والسلوك في حراكاتها ،فإننا أيضا نطالب الدولة بالإلتزام بالقواعد والسلوك عند مواجهتها للحراكات ،علما أن لغة القمع مرفوضة ،كما هي الغوغاء عند الجماهير المحتجة.
تضم لائحة المحرمات على الجماهير في الإحتجاجات العديد من الخطوط الحمراء، التي لا تؤدي إلى نتائج مرضية ،مثل الغوغائية والتطاول والتخريب وإستفزاز قوات الأمن بطريقة أو بأخرى،والأهم من كل هذا تحريم تنفيذ أي أجندة خارجية ،والعمل من أجل جهات عدوة كما ظهر في الحراك الأخير،حيث طالبت إحدى المحتجات بالهجرة والعيش في مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية هربا من “الطواغيت”،وهذا برأيي قمة الخيانة .
أما لائحة المحرمات على القوى الأمنية فتضم أيضا العديد من الممنوعات أولها :التعامل وفق نظريا الفوبيا الأمنية وإعتبار الحراك جريمة ،والحراكيين مجرمين يجب معاقبتهم ميدانيا،وكذلك ممنوع على القوى الأمنية إستفزاز الحراكيين بأي حركة ،بهدف ردعهم قبل الإنتقال لمرحلة أخرى وهي القمع ،الذي يجب أن لا تصل الأمور إلى مثل هذه النهاية .
عام 2011 كنت في زيارة رسمية إعلامية إلى طوكيو عن طريق وكالة “جايكا”اليابانية،وكان ضمن الجدول زيارة لإحدى الصحف المحلية ،وكانت في الطابق الخامس والعشرين على ما أعتقد ،وكنت جالسا بجانب الشباك ،فلمحت حركة لم أستطع تفسيرها ،وهي رؤية أفواج تأتي إلى البناية المجاورة ،وأفواج تغادر.
سألت المضيفين عن السر فأجابوا أن المعلمين يحتجون على قرار حكومي ،ولكن ليس على الطريقة العربية ،بل تأتي مجموعة ويلقي ممثلها كلمة يبين فيها مطالبهم ،ثم يغادر ليفسح المجال لفوج آخر وهكذا دواليك ،وبعد ذلك تنتهي الإحتجاجات كما بدأت بدون غوغاء أو قمع .
نحن بحاجة لهذا النمط من السلوك المزدوج ،من جانب المحتجين من جهة، ومن جانب القوى الأمنية من جهة أخرى،وبذلك نضمن مداواة الجرح قبل أن يتسع كما نصح الخليفة هارون الرشيد والي خراسان بقوله “داو جرحك لا يتسع”.