المظاهر الإيجابية، التي لفتَ إليها وزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة في الإيجاز الذي قدّمه أمس، والمتمثلة بغنى المجتمع الأردني بالمواهب وتنوعه وحضاريّته، وتوافره على مواهب ثقافية متعددة برزت خلال فترة الحظر، هي بالفعل مظاهر تستحق التوقف عندها، وتستلزم أن نشيد معه بوزارة الثقافة ونشكر جهودها، في تأكيد مؤشرات الإقبال الكبير على مسابقة (موهبتي من بيتي) التي أشار إليها وأطلقتها الوزارة، وهو ما يضعنا بصورة العمل الثقافي وتأثيره المجتمعي، خلال الأزمات، وحفزهِ الطاقات التي حولت البيوت إلى حواضن إبداعية ركزت على موضوع الأزمة في اشتغالات إبداعية متنوعة في الحقول الأدبية والفنية، لتشمل أفكار أبنائنا الأطفال والشباب من عشر سنوات حتى خمسٍ وعشرين سنة، وهي أفكار تمخضت عن منجزات خلاقة وابتكارية تعاملت مع (الفيروس) معاملة ذهنية ثقافية توعوية مغلفة بالإبداع. من الجميل أن يشار إلى هذه الطاقة كمفردة تُقرأ جنباً إلى جنب مع المفردات اليومية خلال الأزمة، وهو ما يؤكد أننا دولة حضاريّة، نؤمن بدور الثقافة والفهم الحضاري في إغناء الذائقة وتوجيهها التوجيه السليم من خلال العمل الثقافي، فلم تكن هذه الإشادة إلا حصيلة تعب يومي وجلسات عصف ذهني من كادر الوزارة ممثلة بوزيرها الدكتور باسم الطويسي وزملائه من المبدعين والإعلاميين، لأن الخطاب الوطني في مجاله الثقافي يحتاج إلى تصورات ذكية ومنظور غير عادي لترسيخ الرسالة التي تسير عليها الوزارة في الأوقات الاعتيادية، فكيف ونحن نواجه أزمةً لم تقف أمامها وزارة الثقافة موقف المتفرج، بل سارت بكلّ عزيمة وفكر في مراحل مدروسة لقطف ثمار الإبداع مجتمعيّاً، فكان أن لفتَ ذلك محطات تلفزيونية عربية لأن تقرأ تجربتنا الثقافية أو لنقل خطتنا الثقافية في التعامل مع الأزمات، وليس أزمة كورونا فقط، لأننا نقول في جلساتنا الفكرية إن الثقافة هي وراء كل أنواع التفكير والسلوك المجتمعي، وهي رسالة يؤمن بها الدكتور الطويسي في أن لا تكون الثقافة حكراً على النخبة من دون المجتمع(الناس)، فهؤلاء هم أبناؤنا وشبابنا وكبار السن، ولذلك فقد كانت هناك رغبة لدى فئة الكبار عمريّاً(فوق سنّ٢٥) لكي يصار إلى أن يبدعوا أسوةً بأبنائهم، فهؤلاء لديهم الكثير مما يصوغونه إبداعياً ورسائل فلسفية جميلة مستوحاة من وجودهم بين الناس، وهو في النهاية ما يعزز الدور الثقافي ويكشف كم هي عظيمة طاقته في مواجهة أي أزمةٍ يعانيها المجتمع، لا قدّر الله. ومن المهم أيضاً أن يكون الفهم الوطني للثقافة هو أنّه فعلٌ حضاري، من منظور قول وزير الدولة لشؤون الإعلام (إنّ من المظاهر الإيجابية التي لمسناها خلال فترة حظر التجول وجود مواهب ثقافية متعددة تدلّ على غنى المجتمع الأردني بالمواهب وتنوّعه وحضاريّته….)، خصوصاً في ظلّ هذا الإقبال الكبير على حقول النصوص الأدبية في الشعر، والموسيقى، والغناء، والفنون التشكيلية، والرسم، والتصميم، والتصوير، والكاريكاتير، والتمثيل، والستاند أب كوميدي، والفيديو المنزلي، إذ تشير المراصد ونسب المشاركة إلى أنّ مجموع المشاركات الموثقة حتى اليوم الرابع من الأسبوع الثالث بلغت ٥٣٣٣٨، ولنا أن نتخيل مدى فرحة الفائزين بمئة جائزة أسبوعياً في هذه الحقول. لم تكتفِ وزارة الثقافة بذلك، بل إن هذه المؤشرات كوّنت لديها قاعدة بيانات، حول المحافظات في مدى مشاركاتها ، وتفاعلها، وهو ما ستشتغل عليه مستقبلاً، وكذلك في تصنيف أو فرز المشاركات على مستوى الحقول الفنية والأدبية، وهو ما يعطيها مؤشراً بمدى انتشارها بين الأطفال والشباب والأهالي والمجتمع بشكلٍ عام، أما الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي، فيشكل أيضاً مؤشراً على المشاهدة، بدليل أن إحصائيات الوزارة تلفتنا إلى ١٦ مليون مشاركة في الأسبوع الثالث، بل وبمقاييس التصنيف حسب مشاركة الذكور والاناث، وربما الأعمار، وأية تصنيفات أخرى، فهي جهود مستمرة للوزارة التي تستقبل شهر رمضان أيضاً بآلية مُقنعة ووجيهة في مسابقة تتوخى بها تأكيد الفعل الثقافي والإبداعي في رحاب هذا الشهر الفضيل،.. وهكذا فإنّ الفراغ الثقافي الذي كان يمكن أن يحصل بسبب الحظر ملأته وزارة الثقافة بكل ثقة وإيمان بالإنسان في مقدرته على العطاء وكسر الملل والروتين اليومي بالفكر والإبداع واحترام ما تقوم به الدولة وقطاعاتها المتكاملة من جهود. نحن بحاجة في مثل هذه الظروف إلى النكتة المثقفة من الفايروس، والى مخاطبته والحوار معه والسخرية منه، بل ودفعه ليتلاشى، فكم هو مفرح حين يعمد طفل وطفلة إلى تمثيل كوميدي في الضحك من هذا الفيروس أو في الحوار مع الأهل في (ما يجوز وما لا يجوز) في ظروف الحظر، وكم هو جميل حين يعبّر الأطفال والشباب عمّا يرونه في هذا الظرف، بشكل إبداعي بالشعر مثلا، أو حين يستوحي شاب بأدواته الواثقة تصميماً مواتياً لما يراه ويعيشه الناس في نقد اجتماعي لطيف، أو حين يذهب به الخيال إلى رسم كاريكاتيري ممزوج بشيء من الواقع،.. فهي إبداعات وتفريغ للطاقات، في برنامج يومي مشغول بالفكر والثقافة والتأسيس على الإبداع. ثمة نقطة مهمة، وهي أنّ أبناءنا وهم يشتغلون من بيوتهم ابداعياً تجاه فايروس كورونا، بشكل غير جاف أو ممل، أو (افعل ولا تفعل!) إنما يضيّقون الفرصة أيضاً على من استسهل الأعمال التجارية أمس واليوم وما بعد كورونا، وهو ما يجعل الوزارة ربما تستعين بهم مستقبلاً في أعمالها وفق إبداعاتهم، فقد آن لأطفالنا وشبابنا أن يجهروا بطاقاتهم وأن يخرجوا إبداعياً من شرنقة الوصاية التي خنقتهم زمناً طويلاً، فهؤلاء لديهم آفاقهم الخاصة بهم، وقد أحسنت وزارة الثقافة في استثمارهم وحثّهم على المشاركة والتفاؤل وإطلاق الطاقات، خصوصاً في هذا الظرف بكلّ ما يشتمل عليه من صعوباتٍ وتحديات.