أ. سعيد ذياب سليم
لماذا يرتبط الشتاء بالحزن؟ ما السر في كآبة أيامه؟ هل هي الوحدة وطول ليله؟ أم هي ألوانه وظلاله الغامقة التي تنعكس على النفس ؟
ربما تذكرنا أمطاره وانسكابها على زجاج النوافذ بالدموع. من منا لم يرتجف قلبه هلعا من صوت رعده الغاضب؟
لا شك أن الشتاء يُضيّق علينا الخناق، يغلق الأبواب والنوافذ، لكن.. يعز علينا فراقه ويعز عليه الفراق فما زال يثير في الجو رياحا
غربية تحمل معها دخان المواقد ورائحة الحطب المحترق، ويرسل في السماء غيمات بيض كندف القطن على صفحة مخملية زرقاء،
تكفهر أياما وتصفوا أخرى.
آذار على بعد نبضتين وبقي من الشتاء سعد و سعد، وللأرض انقباضات تبشر بميلاد الربيع. تتململ أشجار اللوز اشتياقا، يتشظَّى قوس
قزح شرارات حمراء وصفراء وزرقاء، تنتشر على الأرض التي تشتعل خضرة، تهدل حمامات برية خلف نافذتي أهو وداع أم احتفال؟
يستعجل اللوز أزهاره فتصحو ناعسة، تتوزع على الأغصان، يحمل النسيم رائحة العشب يداعب به قلبا أضناه الشوق للشمس التي ذهبت
جنوبا مع الطيور المهاجرة.
– ما أعذب ابتسام زهر اللوز!
تبرز براعم الخير على أغصان العنب و التين، وتَهَبُ الأرض محصولاتها الخضراء، وتدور الحياة دورة جديدة، وتَصْدُق
الأسطورة، اسألوا جداتنا عن الدحنون وكيف تلونت تيجانها! تشرئب أعناق الصبايا ناظرة للشباب السمر يقلمون الأشجار ويزرعون
الغراس ويرسلون الوعود في ليالي السمر القريبة.
تنتظر الأرصفة روادها كانتظار الحدائق للأزهار، تتساءل متى يسير الأحبة يدا بيد دون كلل أو ملل، همسات وموسيقى وصبايا ونظرات
خجلا لا تدري أين تحط. تؤدي عشتروت وصويحباتها طقوس القيامة، ينادين: “أدونيس يا فتى الحياة تعال بكل فتنتك”.
تقف عصافير الدوري تحت أسقف المنازل، في الفتحات وعلى الأشجار تزقزق تسبيحاتها، يلتقط أحدها يرقة ويطير، يلاحقه
السرب تتطاير عابثة قافزة من غصن لآخر، تتماوج أعناق الزهر في مروجها، يتراكض الأطفال بينها يجمعون باقات تملؤ أكفهم
الصغيرة فرحا، تسقط بتلات قانية الحمرة تعود إلى الأرض لتولد من جديد .. وتستمر دورة الحياة.
فتعال احمل فأسك و اتبعني نغرس ما سيأكلون فقد أكلنا ما غرسوا.