أسعد العزام
في مؤتمر “قـَـمْ” تجسَّدت وحدة النضال الأردني الفلسطيني
في الذكرة ال 99 لمؤتمر قم
تعود بنا الذاكرة إلى عام 1920 ونحن في مقام الدهشة نتحدث عن تلك الأيام والزمن يشير الآن إلى عام 2019 حيث الفاصل الزمني بين ما كان وبين الواقع الذي نعيشه الآن هو 99 عاماً تغيرت فيه أشياء كثيرة ودول وزعامات تغيرت، كما عصفت بالمنطقة أحداث كثيرة غير أن هذه العودة الآن إلى تلك المرحلة تأتي لتصفح وهج مواقف الرجال حيث كانت المواجهة، وكان التحدي ، كما هو الحال هذه الأيام ، غير أنهم في تلك الفترة من الزمان استطاعوا أن يحسموا قراراتهم دفاعاً عن أرضهم وعرضهم وشرف الأمة التي ينتمون إليها.
في عام 1920 كثر بيع الأراضي لليهود والهجرة اليهودية لفلسطين فتنبه لهذا الأمر زعامات لواء عجلون.
فقرروا السفر في 8 آذار1920 إلى دمشق لمقابلة جلالة الملك فيصل بن الحسين وتقديم التهنئة لجلالته بمناسبة مبايعته ملكاً على سوريا وحدثوا جلالته على خطورة ما يجري على أرض فلسطين من أمور خطيرة تنذر بسيطرة مطلقة لليهود على فلسطين منها هجرة اليهود إليها وبيع الأراضي لهم فـي كثير مـن مناطق فـلسطين فـقال لـهم جـلالة الملك فـيصل:
” شرقي الأردن وفلسطين أمانة في أعناقكم يا مشايخ لواء عجلون”
وفي طريق عودتهم من دمشق قرروا عقد لقاء تحضيري في بلدة سما الروسان في منزل الشيخ سليمان باشا السودي الروسان لتدارس الوضع فأجمعوا على عقد مؤتمر في بلدة (قم) بضيافة الشيخ ناجي باشا العزام بتاريخ 6 نيسان 1920
وقد إفتتح الشيخ ناجي باشا العزام المؤتمر بكلمة قال فيها:
‘* بسم الله الرحمن الرحيم الواحد الأحد والمنتصر لأمة قاتلت من أجل استقلالها فكل التهنئة بإعلان إستقلال بلادنا الشامية لصاحب الجلالة الملك فيصل بن الحسين والى شعبنا في كل مناطقه السورية، إن الهدف يا مشايخ لواء عجلون من هذا الإجتماع هو الخروج بقرارات تتضمن الرد السريع على الأعداء الكفار وقد اتفقنا في سما الروسان على أن يكون الرد بمهاجمة المستوطنات اليهودية في سمخ وبيسان وطبريا والهمة في عشائرنا ورجالنا والله معنا وسيشرح لكم الشيخ كايد المفلح خطة الهجوم التي ستكون في 20 نيسان*’
إذن فقد كان هذا المؤتمر محصلة طبيعية للدعوة التي وجهها الشيخ ناجي باشا العزام لزعماء ومشايخ لواء عجلون للإجتماع في ديوانه في قرية قم التي تقع إلى الغرب من مدينة إربد وتبعد عنها مسافة حوالي 15 كيلو حيث عرف هذا الإجتماع فيما بعد بمؤتمر(قم) وقد جاء هذا المؤتمر رداً على عدم إيفاء الانجليز بوعودهم بوقف الهجرة ومنع بيع الأراضي لليهود
في هذا ترجمة عملية لقناعة الشرق أردنيين بأن الخطر الصهيوني يستهدف شرقي الأردن مثلما يستهدف فلسطين، فتجاوب رجالات العشائر الأردنية مع دعوة الشيخ ناجي العزَّام شيخ وزعيم ناحية الوسطية (آنذاك) في شمال الأردن وعقدوا في بلدة (قـَـمْ) بتاريخ 6/4/1920م مؤتمرا وطنيا شارك فيه العديد من مناضلي الحركة الوطنية الفلسطينية في تجسيد عملي للوحدة الوطنية الأردنية الفلسطينية، وقد تمخَّض مؤتمر (قـَـمْ) عن قرارات تكشف عن النضج والوعي السياسي والوطني الذي كان يتمتع به أجدادنا وآباؤنا، ومن تلك القرارات:
1-مناصرة ثورة الشعب الفلسطيني ودعمها بالمال والسلاح.
2-إعلان الثورة ضد الإنجليز في شرقي الأردن.
3-تفويض المجاهد علي خلقي الشرايري لإعلان الثورة بالتنسيق مع الجمعية الفدائية الفلسطينية.
4-تشكيل لجنة لجمع الأموال وشراء السلاح.
وقد أثار انعقاد مؤتمر “قـَـمْ”، بمشاركة مناضلين فلسطينيين، غضب الإنجليز واليهود، فسارع الإنجليز بتحريض من اليهود إلى اعتقال عدد من شيوخ الأغوار في مقدمتهم الأمير محمد الزيناتي ونقلوهم إلى سجن بيسان، فشنَّ رجالات العشائر هجوما على السجن قاده الشيخ بشير الغزاوي وحرَّروا الأمير الزيناتي ورفاقه، وكان من الطبيعي أن يثير نجاح العشائر الأردنية بتحرير المعتقلين مزيدا من غضب الإنجليز فشنوا عليهم هجوما شاركت فيه الطائرات، وتمكن المناضلون من الانسحاب إلى جبال عجلون، حيث انضمَّ إليهم المزيد من المناضلين.
وكان أيضاً من نتائج المؤتمر معركة “تل الثعالب” التي وقعت في 20-نيسان-1920 وقادها الشيخ كايد المفلح عبيدات عن الجانب الأردني والجنرال كركرايد عن الجانب البريطاني والمستوطن اليهودي رئيس مستوطنات اليهودية في الشمال الفلسطيني يوسف أبو إرميشه عن الجانب اليهودي.
وحول تفصيلات الهجوم يشار إلى انه في مؤتمر قم عمل المجتمعون هناك على حشد جموع من قرى نواحي الشمال:(الوسطية والسرو والكفارات وبني عبيد والرمثا) وقرروا الهجوم على الانجليز فذهبت مجموعة منهم بإتجاه سمخ مجتازة نهر الأردن ومجموعة أخرى بإتجاه بيسان مجتازة نهر الأردن، فذعر اليهود وفروا.
ونتيجة لهذا الهجوم فقد إنقطع سير القطارات بين حيفا ودمشق، وتعطلت الإتصالات الهاتفية وسارعت السلطات البريطانية وأرسلت طائرات لقصف المهاجمين بالقنابل مما إضطرهم للتراجع بعد أن فقدوا عشرة شهداء هم : كايد المفلح عبيدات وسلطان عبيدات وقفطان عبيدات ومحمد الحجات وسعيد القرعان وزطام العلاونة وثلاثة من مجاهدي درعا.