سهير جرادات
سهير جرادات
أجزم بأن القرار الملكي بتوجيه الحكومة لتحديد تاريخ الخامس عشرمن شهر شباط من كل عام يوما وطنيا للوفاء والاحتفال بالمحاربين القدامى والمتقاعدين العسكريين، الذين شاركوا في المعارك التي خاضها جيشنا العربي الباسل للدفاع عن الوطن والأمة ، قد أدخل الفرحة على قلوب هؤلاء أصحاب الفضل من المقاتلين والمدافعين عن الوطن .
وكان لاختيار تاريخ ” يوم الوفاء ” ، دور في تأجيج مشاعر الفخروالاعتزاز لدى منتسبي السلاح القدامى ، لارتباطه بمعركة ” الشهداءالسبعة “، التي حصلت عام 1968 قبيل معركة الكرامة ،حيث استشهدفيها قائد كتيبة الحسين الثانية الرائد الركن منصور كريشان- معان،ومعه ستة من رفاقه، وهم: الشهيد العريف محمود عيد قاسم النسور- السلط ، والشهيد الجندي الأول عوض محمد إبراهيم الجراح- المزار / إربد، والشهيد الجندي منير أحمد إبراهيم المصري- حرثا/ إربد،والشهيد الجندي أحمد حسن عبد الرحمن- كفر ابيل / إربد، والشهيد الجندي محمد عقلة مصطفى عبد الرحمن- جنين الصفا، والشهيدالجندي أحمد عبدالله حسين- نابلس .. هؤلاء المقاتلون الذين وصفهم الراحل الحسين بقوله : “..وأصبحت الرجولة صناعة قواتنا المسلحة ، وشيمتها الأبدية”.
خُصص هذا اليوم ” التكريمي” للاحتفال بالأبطال العسكريين الذين دافعوا عن ثرى الأردن ، منهم من استشهد ، ومنهم من أصيب ، ومنهم ما يزال على قيد الحياة ، يحتفظ بذكريات البطولة ، ومنهم من انتقل إلى الرفيق الأعلى مخلفا إرثا من الذكريات والعز لأبنائه وأحفاده تكفيهم “لولد الولد” ، وتعادل ” ذخيرة حية ” تكفي لحماية الوطن.
وما أن تنتهي فعاليات هذا الاحتفال الذي فُرِغ من مضمونه ، إذ يقتصر على تكريم كوكبة من المتقاعدين العسكريين وإلقاء القصائد ، وفقرات فلكلورية وشعبية وأغان وطنية ، حتى تتبدد آمال بقايا المحاربين القدامى وأحلامهم ومشاعرهم التي تأججت بقدرلا يتناسب مع هذا التكريم، الذي لا يتعدى المهرجان الخطابي للتباهي ببطولاتهم التي سطروها، ليتغنى بها الخلف في السلاح ، دون الالتفات أوالاكتراث بحالهم ، وما آلت اليها أحوالهم الصحية والاقتصادية والاجتماعية .
ليصحو هؤلاء المحاربون على واقعهم المرير الذي يعيشونه ، فرواتبهم ضئيلة وتتأكل يوما بعد يوم في ظل التضخم الاقتصادي الذي لايشملهم ، والكل يتغول على مؤسسات تأسست من أجل العناية بهم والمحافظة على تميزهم ومساعدتهم على أعباء الحياة، حتى باتت المؤسسة الاستهلاكية العسكرية للغريب المقتدر أكثر منها للأصيل غير المقتدر، إلى جانب ضعف الخدمات الطبية العسكرية التي تتراجع منذ عشرين عاما ، بطريقة أصبح اللجوء اليهاغير مجد في ظل علاج مفقودة لا يشفي ولا يداوي .
الجميع يعلم أن ظروف المقاتلين القدامى صعبة ودقيقة واستثنائية ، ولم تكن محفوفة بالورود ، حيث كانوا لا يعرفون منازلهم ، ويغيبون عنها طويلا ؛ ليغدوا غرباء عن أسرهم بعد أن ضاقت مساحة الذكريات المشتركة ، فتجد هذا العسكري لا يجيد إلا الحديث عن بطولاته ، وأيام الكتيبة والتدريب ورفقاء السلاح ، ليسمعها الأبناء والأهل والأصدقاء عشرات المرات.
نقول لمن أغفل حقوق هؤلاء المحاربين القدامى: إن إنكاركم لها، دفعهم للخروج إلى الشارع ليطالبوا بتحسين اوضاعهم المادية ورفع رواتبهم التي يخجلون من الافصاح عن قيمتها؛ لقلتها مقارنة برواتب نظرائهم، حيث اصبحت رواتب الضباط تتساوى مع رواتب الأفراد ، وصارراتب تقاعد العقيد السابق يعادل راتب وكيل قوة حالي!!
عندما يأتي ” يوم الوفاء” بغير حجم الوفاء ، ينقلب إلى يوم تتضارب فيه المشاعر… يوم يمتزج بالفخر والانجازات التي تحققت ، وبيان مقدار ضعفهم أمام عوائلهم وامتدادهم ، والأصل أن هؤلاء القدامىهم من صنعوا البطولات والمادة الكلامية ليتغنى بها الخلف في الجهازالعسكري ، والمؤلم أن الميسورين وأصحاب الرواتب العالية يحتفلون بالأقل رواتب، والأقل راحة وتقديرا .. هؤلاء المقاتلون القدامى الذين قدموا ــ وللأسف ــ الخلف هم من حصدوا ثمار بطولاتهم ، ويتمتعون بالرواتب العالية ، والامتيازات التي لولا تلك الفئة من المحاربين القدامى من ذوي الرواتب الضئيلة ، وما قدموه لما كانت قد وصلت للخلف كل هذه الامتيازات.