فارس الحباشنة
فارس الحباشنة
الحكومة التركية اصدرت تعليمات للقنوات الفضائية المصرية المعارضة التابعة للاخوان المسلمين وغيرهم وتبث من اسطنبول، بوقف البرامج السياسية والامتناع عن توجيه انتقادات للنظام المصري والرئيس عبدالفتاح السياسي.
هذا القرار التركي اثار جدلا وضجة واسعة في الاوساط السياسية والاعلامية المصرية. ومن قبل ذلك، ادلى مسؤولون اتراك بتصريحات حول المصالحة التركية -المصرية وعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين بفرض شروط واملاءات تركية مسبقة، ومن بينها ملف الاعلام الاخواني في اسطنبول.
التعليق الرسمي المصري حول دعوات اردوغان لاعادة العلاقات لمسارها الطبيعي، وقرار تهذيب اعلام المعارضة المصرية محدود، واقتصر على تصريحات لوزير الخارجية المصرية سامح شكري : اكدت على ان هناك مفاوضات ومشاورات بين البلدين لعودة العلاقات، وانها تجري ايضا على مستوى استخباراتي، ومن ابرز الملفات الاستراتجية الساخنة التي يتفاوض البلدان حولها « الطاقة وترسيم الحدود البحرية».
تركيا، الرئيس اردوغان الذي مدد قبل ايام حزب العدالة والتنمية ولايته كامين عام لدورة جديدة، يشعر العزلة، وتزداد ضغوط الاوروبية، وتفلت من سبحته كثير من الملفات الاقليمية الشرق الاوسطية التي امسكت انقرة بادواتها، وكانت لاعبا رئيسا وهاما بها، وسواء على مستوى الملفات : الليبي والسوري والعراقي.
وكما ان ادارة بايدن دقت جرس الخطر في الشرق الاوسط، ودعت الى تخفيف التوتر وتصفية صراعات ونزاعات مفتوحة، وذلك سواء النزاع التركي / المصري والتركي السعودي، وبعدما مضت السعودية الى مصالحة وتسوية سياسية مع قطر الحليف الاول لتركيا في الخليج العربي.
و ما اراد اردوغان قوله من التقارب المصري ان ثمة تحولا في سياسته الخارجية الاقليمية، وكما رمى في ترميم العلاقة مع القاهرة لما هو ابعد في ملف غاز البحر المتوسط، وتبادل احترام الحدود البحرية بين البلدين في اتفاقيات «التنقيب عن الغاز»، وذلك وفقا لرؤية انقرة لحدودها البحرية ما يسمى بالجرف التركي، وهذا ما احترمته القاهرة.
وكما يبدو فان احتضان تركيا للاخوان المسلمين كان اكثر ما يزعج مصر. وادى ذلك الى تقارب مصري -يوناني وتقوية القاهرة لعلاقتها مع اثينا وقدمت دعما سياسيا لليونان في ملف غاز البحر المتوسط وترسيم الحدود البحرية.
الحكومة المصرية علقت امالا على تحالف دول شمال المتوسط وخصوصا اليونان وقبرص وايطاليا، وذلك بالاتفاق الذي ابرم في اب عام 2020. ولكن ذهاب اليونان في العام التالي 2021 لتوقيع اتفاق للربط الكهربائي مع اسرائيل وقبرص، ولتشييد اطول واعمق كابل كهرباء تحت الماء بتلكفة حوالي مليار دولار،ويربط بين الدولة الثلاث، ويكفي حاجتها من الكهرباء.
وتجاهل وعدم دعوة مصر الى المشاركة في هذا المشروع الاستراتيجي في الطاقة وانتاج الكهرباء قلب الاوراق في القاهرة. وكانت مصر تحلم لتكون مركزا اقليميا لصناعة الغاز بعد الاتفاق الذي عقدته قبل 3 اعوام شركات مصرية خاصة لاستيراد الغاز الاسرائيلي ومعالجته، ولكن الاتفاق الثلاثي اليوياني والاسرائيلي والقبرصي قلب المعادلة واضعف الدور المصري، وقضى على فرصة مصر الاستراتيجية في مجال الطاقة، وما قد ينقذ الاقتصاد المصري.
التحالف الثلاثي المصري -اليوناني -القبرصي الذي نجح الرئيس المصري في بنائه تبخر. والاتفاق الاخير بين اليونان واسرائيل وقبرص وضع علامات استفهام كبرى حول التحالف الجديد وترسيم الحدود البحرية وغاز البحر المتوسط.
ثمة متغيرات ومعطيات وعوامل اقليمية ودولية ضاغطة وفي مقدمتها تغيير الادارة الامريكية، ستعيد ترسيم خرائط التحالفات والتوازنات في الاقليم. وبما يخص العلاقة المصرية /التركية فانها ستثبت، وستذهب لما ابعد من التوافقات الامنية والاستراتجية، وكلا البلدين يلعبان على احبال سحرية لتثبيت مصالحهم ونفوذهم، وتبني سياسة الرد والرد العكسي على تحالفات موازية ترسم في حدود دول البحر المتوسط ومجاله الحيوي.