أ. سعيد ذياب سليم
أصبح عندي الآن قطة صغيرة لطيفة إسمها ” كيتي ” و ما لم تصدقه أنها لا تتجاوب إلا إذا ناديت عليها باسمها !أمّا ما كُنا نستخدمه في الماضي ” بس .. بس ” فهي كلمات أعجمية لا تفهمها. هل خاب أملك ؟ فظننت أنني سأقول كما قال نزار منذ ما يزيد عن خمسين سنة ” أصبح عندي الآن بندقية ” ،وما لنا و البندقية ! ، أم أتبع أثر إحسان عبد القدوس في روايته ” في بيتنا رجل” فأروي بطولات ورقية ليس لها وجود في الواقع ؟
لكن في بيتنا قطة و قطتنا حقيقية ، تتنفس و تتحرك حولنا ، تلاحق كرتها ، و تقفز في نشوة و سعادة و تختبئ تحت قطع الأثاث المتناثرة في الشقة ، لقد أحدثت بعض الفوضى اللذيذة في البيت ، الكل يتسابق لمداعبتها و نيل رضاها وهي تتنقل بدلال من شخص لآخركإحدى أميرات ألف ليلة و ليلة.
اليوم ذهبتْ إلى عيادة الطبيب في موعدها حسب جدول المتابعة الطبية ، عادت إلى البيت غضبى بعد حقنتها و قضت اليوم في عزلة تامة ، نائمة في مكانها المخصص وفي المساء عندما داعبتها ابنتي الصغيرة ضربت بيدها في عتب خجول ، ثم لجأت إلى أحد أرفف المكتبة في عزلة أدبية .
تحشر نفسها في الزوايا الضيقة و تخرج بأشياء فُقدت منذ زمن بعيد ، لا تترك خيطا أو شريطا إلا و سحبته و لعبت به ثم تصاب بحالة من الهيجان تقفز في الهواء و تنطلق في زوايا غريبة و اتجاهات مفاجئة ، ترى ماذا تثير في ذاكرتها الأشرطة و الخيوط ؟ هل يرتبط نشاطها هذا بخوف فطري أو ذاكرة جماعية ما ؟
تقف على طرف النافذة و تنظر متأملة إلى الخارج تلاحق الحركة كيفما تمثلت، في الكائنات حولها و في المركبات أو البشر ثم تقف خلف باب الشقة تموء وتصرخ أخرجوني من هنا ! وكأنها تعاني معاناتنا من عنق الزجاجة الذي استطال فأصبح كنفق مظلم ؟
بالرغم أن لها مكانها المخصص لقضاء الحاجة و الذي يبدل رمله يوميا إلا أنها تختار الأماكن بعناية لتختبر حبنا لها فتفاجئنا بأنها بالت على سرير غرفة النوم أو فوق الأريكة أو أحد الشراشف ، ربما هي طريقتها في لفت النظر و الاحتجاج – قد تكون أصيبت بالعدوى المنتشرة في الشرق الأوسط فالكل يحتج ، وربما هي طريقتها في التعبير عن مطالبها التي نحرص كل الحرص على تلبيتها ، نوفر لها طعامها الخاص باستمرار فهي لا تأكل مما نأكل ، و نحتفظ بها داخل البيت حتى لا تختلط مع القطط المشردة فتحمل بطريقة غير محسوبة و يختلط علينا النسب ” ساعتها نودي وشنا فين ؟”.
جواز سفرها يبين أنها من الجنس شانشلا-أنجورا chinchilla-Angora مولّدة من النوعين اللذين يعودان إلى أصول تركية و فارسية فتجمع خصائص النوعين شقاوة القطة التركية و نبل الانجليزية، فإن زاوجناها من نوع دون الآخر نعزز صفات ذلك النوع ، تمتاز شانشلا بفروها و وبرها الناعم الطويل وعيناها الخضراوان أما أنجورا فنشطة في الليل تحب الأماكن المرتفعة ،لها أذنان كبيرتان و ذيل طويل.
مع قدوم الشتاء و موسم البرد ألبسناها بلوزة ملونة تحمل شعار أحد الأندية الإسبانية و في رقبتها طوق جميل كالإسوارة فيه خرزات حمر ، فإن خطرت من أمامك خلتها فتاة غجرية ترقص على أنغام قيثارة لعوب.
يتطاير وبرها حولنا فتثير الحساسية عند البعض وتؤدي إلى احتقان في الجيوب و سيلان في الأنف و عيون محمرة مما يجعل التعايش معها مزعجا إلا أن الحياة بلا معاناة ليس لها معنى و تفتقر للألوان.
أخيرا هل يحق لنا أن نفكر وننظر إلى العالم كما ينظر الآخرين إليه و يتعايشون معه فلا هموم اقتصادية و لا أزمات سياسية و لا مشكلات في المواصلات او ازدحام في الطرق ! فإذا تحدثنا تحدثنا عن حيواننا المدلل و فلم السهرة أو آخر كتاب قرأناه ؟