أ.د. عصام سليمان الموسى
أخيرا صمت قلم فهد الفانك.. القلم الذي كان يخاطب وعينا كل يوم طيلة أيام الأسبوع السبعة، بدون استراحة، نقرأ ما يخطه صاحبه القدير كل صباح: نطمئن منه على وضعنا الاقتصادي بخاصة، او نقلق.. كان مقاله يعالج الوضع الاقتصادي
بشكل رئيس.. لكن كان يتناول جوانب اجتماعية أخرى.. وبشجاعة.. كان قلما جريئا، لكنما منصفا. في كتابي (تطور الصحافة الأردنية: 1920-1997 (الصادر عام 1998 كتبت في فصل رواد الصحافة الأردنية عنه الدكتور فهد الفانك ما يلي:
«ولد الفقيد في عمان عام 1934 ،ودرس الابتدائية في الحصن، والثانوية في اربد ، والجامعية الأولى في عين مس (القاهرة) حيث تخرج منها عام 1963 ببكالوريوس محاسبة، وفي عام 1985 حصل على الدكتوراه في دارة الاعمال من أميركا. عمل معلماً، ثم موظفاً في البنك العربي، ونائباً لمدير عام مؤسسة الطيران الاردني (عالية) حتى 1985 ،ثم استقل في عمله مستشاراً مالياً. بدأ الكتابة مبكراً، ونشرت له الصحف أحياناً، ثم انتظم في حزب البعث العربي، وقاده هذا للقول بأن الكتاب اجمالاً «يخضعون للرقابة والمحاسبة بشكل أو بآخر، فاذا لم تكن رقابة الحزب، فانها رقابة رئيس التحرير ، أو رقابة الحكومة أو حكم القراء والنقاد». بعد تخصصه الجامعي، وعمله في المجال الاقتصادي اتجهت كتاباته نحو المعالجة الاقتصادية، فاشتهر بها.
في عام 1971 اكتشفه جمعة حماد وابراهيم سكجها، فولج باب الدستور الواسعة الانتشار، ليعد لها صفحة اسبوعية تظهر كل يوم سبت، فكانت أول صفحة اقتصادية منتظمة في تاريخ الصحافة الاردنية. وكانت مكافأته (10 (دنانير زيدت الى (12 (ديناراً في الشهر. وحين أصدر ابراهيم سكجها جريدته الشعب (1976-1977 (ترك الدستور وانضم اليها، ليكتب في الاقتصاد والسياسة أيضاً مما كان مفاجأة تامة لكثيرين. وحين أغلقت الحكومة الشعب انتقل الى الرأي وقدم فيها
صفحة اقتصادية اسبوعية، وزاوية سياسية أيضاً. وفي عام 1982 أصدر بالتعاون مع طارق مصاروة ومريود التل وأصحاب جريدة الرأي آنئذٍ (محمود الكايد وسليمان عرار وجمعة حماد ورجا العيسى ومحمد العمد) مجلة الافق الاقتصادي التي اغلقتها الحكومة أيضاً بعد وقت قصير.
اضافة الى هذا، أصبح في عام 1985 رئيس تحرير مجلة المنتدى الشهرية التي تصدر عن منتدى الفكر العربي، واستمر فيها حتى عام 1993. وفي عام 1986 أصدر نشرة اخبارية شهرية باللغة الانجليزية عن الاقتصاد الاردني جوردان ايكونوميك تقدم التحليلات الاقتصادية موجهة للبنوك والشركات والسفارات.
فوق هذا، للفانك عدد من الكتب المطبوعة تتناول جوانب مختلفة من الاقتصاد الاردني، كان أولها البنوك والاقتصاد الاردني (1964 ،(ومنها برنامج التصحيح الاقتصادي، وله أبحاث ودراسات. وفي عام 1997 أصدر كتاب الصحافة والحرية والمسؤولية، فقد كان مهتما بالصحافة. يتميز فهد الفانك بأنه رائد المقال الاقتصادي في الاردن، فهو يوظف الأرقام والاحصائيات، ويحولها الى مضامين ناطقة تشد انتباه القراء اليها. لهذا، تجيء زاويته في الاغلب علمية الطابع، تختلف عن الأسلوب الانشائي الخطابي الوعظي العاطفي الوصفي السائد عند الآخرين. يضاف الى هذا، أن مقالاته السياسية تزخر بالنقد السياسي والاجتماعي الحاد أحياناً. وقد أوقفته الحكومة عن الكتابة مرات، فواصل انتاجه باسم
مستعار. ومقاله ، بسب أنه علمي وجريء، وناقد، فهو أيضاً جدلي، بمعنى أنه يتطرق لمواضيع مثيرة للنقاش والجدل،
يفضل آخرون تركها مخبأة تحت البساط، فيعمد هو الى اخراجها وتسليط الضوء عليها، ومعالجتها، تجيء معززة بأرقام الدراسات، فتثير من تثير وتسر من تسر، لكنها تنجح في تحريك الأفكار والعواطف، وغالباً ما تستدر ردوداً من القراء.
وهو على هذه الوتيرة كل يوم، وكل أسبوع، يطل على القارئ الاردني والعربي من صحف مختلفة ، منها: الرأي وشيحان والجوردان تايمز (له فيها مقال أسبوعي) والسفير اللبنانية، والعرب اللندنية ، والثورة اليمنية ، والاتحاد الاشتراكي المغربية، والمجاهد الجزائرية.
وصفه زميله وصديقه طارق مصاروة في أحد مقالاته بأنه (مؤسسة) قائمة بذاتها، وأن مبعث نجاحه يأتي من
كونه «يكتب في وسط اهتمام الناس، سواء وافق القارئ معه أو اختلف فيما يكتب». وفي مقال صدر في زاوية (رؤوس أقلام) التي اشتهر بها في جريدة الرأي، بعنوان «اضطهاد المرأة» كتب الفانك في مطلعه نقداً اجتماعياً شديداً: «المرأة الأردنية مضطهدة، ليس بالمصادفة ولكن نتيجة قرار عقائدي. والذين ينظرون لاضطهاد المرأة
وهضم حقوقها هم أطول الناس لسانا على الادعاء بانهم مع المرأة، حتى لقد تباهى بعضهم بأنه يوافق
على حق المرأة في أن تنتخب وتنتخب». وبعد أن طعّم المقال بأرقام احصائية ناطقة مستقاة من احدى
الدراسات المسحية، أنهاه بقوله: «في الجاهلية، كانوا يئدون الاناث خوفاً من العار أو الاملاق، فكانت الموؤدة
تتألم لبضع دقائق قبل أن تموت، واليوم وما زلنا نئد النساء مدى الحياة، لا لشيء إلا لأن العقلية متحجرة لا
تثق بالمرأة، ولا تتحمل فكرة المساواة».»
في أخريات أيامه عمل الدكتور فهد الفانك رئيسا لمجلس أدارة المؤسسة الصحفية، مكافأة من ألحكومة
وتقديرا لجهوده في خدمة الأردن.
كنت أزوره بين فترة وأخرى في مكتبه في عمارة الإسكان الضخمة. كان يستقبلني ونشرب الشاي ونتحدث بالشأن العام. كان حديثه كما مقالاته عامرة بحب الوطن. بوفاته رحمه االله خسرت الصحافة الأردنية قلما ناضجا قد لا يعوض.