
بقلم: ماجد توبة
كتب ماجد توبه: نظرة تشاؤمية للشرق الأوسط الجديد.. اسرائيلي بامتياز!
بعيدا عن التزويق والتنميق ورفع المعنويات، يقف العرب اليوم على شفا أسوأ مرحلة تمر بهم منذ نكبة فلسطين 1948. سنوات عجاف في انتظارنا، يزيد خطرها الوجودي الانقسامات البينية والعودة للانكفاء على الذات لدى الاغلبية بحثا عن مصالح قطرية او لهذا النظام او ذاك إن استطاع إلى ذلك سبيلا!
لم يعد تهديد الارهابي نتنياهو وكيانه بالشرق الاوسط الجديد حلما او هلوسة متغطرس. ومن يراهن على ترامب المجنون بالعظمة لحصر احلام الامبراطورية الصهيونية لحسابات خاصة بامريكا فهو واهم ايضا، بل التقى التفكير الاستراتيجي والتوافق التام بين الاثنين اليوم الى اعلى حد، ومن يشكك فما عليه الا متابعة التصريحات الرسمية للطرفين وما تكتبه الصحافة ومراكز الدراسات الامريكية، وايضا ما ينفذ على الارض.
شرق أوسط جديد تتصدره اسرائيل بفائض قوة كبير، ودعم امريكي مفتوح، واستراتيجية واضحة قد لا تعيقها او تخلط اوراقها سوى الانقسامات الداخلية وغرق مجتمع الكيان في مستنقع التدين المتطرف وتمكن حالة عدم اليقين والخشية من المستقبل من مجتمع الكيان بعد صدمات طوفان الاقصى وما احدثته حرب المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية وداعميها من اعادة طرح سؤال الوجود على الاسرائيليين في هذا البحر العربي والاسلامي الشعبي الرافض لوجودهم السرطاني.
الان ننظر الى حسابات ومعطيات الواقع فنرى الصورة قاتمة السواد. فلسطين باتت اقرب الى لقمة سائغة امام العدو، دمار شبه كامل في قطاع غزة، لا مقومات حياة، رغم الملحمة الوطنية التي خاضتها المقاومة. الخطورة اذا رمت امريكا بثقلها ونفوذها في حرب التهجيرفي ظل مقاومة فقدت الكثير وان لم تفقد عزيمة النضال والجهاد، لكنها تُبتز في كل لحظة بحاضنتها الشعبية التي لم تعد تتحمل خرابا وجوعا وعراء اكثر.
والمقاومة اليوم بين خيارين مرين؛ اما تسليم السلاح والاصطفاف امام المقصلة في محاولة لانقاذ الحاضنة الشعبية وهو ايضا امر غير مضمون حتى لو سلمت السلاح وغابت كلها، والخيار الثاني هو العودة للعمل تحت الارض لترميم المقاومة وقد يحتاج ذلك لسنوات، وتقف بوجهه معيقات موضوعية لا تخفى على احد.
لا اعرف ما هو الخيار الأصح وان كان هناك خيارا آخر يمكن ان يوجد لكن المعطيات على الارض هي ما تفرض الخيارين. قد يكون المتاح الافضل اليوم امام حماس هو البحث عن صيغة عمل مشترك مع حزب الله، المثخن هو الاخر بالجراح، والذي يتعرض لمؤامرة امريكية اسرائيلية مع اطراف لبنانية وربما عربية، لكن وضعه يبقى بالحسابات الواقعية افضل واقدر على البقاء من حماس كهيكل مقاومة مؤثر.
قد يكون هذا احد خيارات حماس في الحفاظ على مقاومتها لجولة جديدة قد يطول انتظارها هذه المرة! الضفة الغربية ايضا خيار لبناء مقاومة تحت الارض من قبل حماس وغيرها، لكني اعتقد ان ذلك سيكون صعبا في ظل ما يخطط علنيا للضفة، من ضمها لسيادة الاحتلال باعتراف امريكي وتدميرها عسكريا واقتصاديا ومحاولة دفع اهلها للتهجير وشرعنة ابتلاعها رسميا.
التهجير للضفة لن يكون قدرا فصمود ومقاومة الشعب الفلسطيني، السلمية اساسا وغير السلمية ثانويا، لن بجعل التهجير سهلا.
اذا، مخططات الشرق الاوسط الجديد ستكون ضحيته الاولى كما هو متوقع فلسطين، غزة والضفة اضافة الى عرب 48، ثم تكون الضحية الثانية المطلوب راسها هو لبنان ومقاومته، حيث ما زالت المقاومة تحاول استيعاب ما لحق بها من خسائر وجروح بالحرب الاخيرة، وان تعيد بناء نفسها لان القادم ضدها لن يكون قليلا، رغم انها ستبقى وفق معطيات الواقع الاقوى بين المقاومات في المنطقة!
وواهم من يعتقد ان حزب الله فقد كل اوراق قوته رغم ما لحق به من ضعف، فما زالت لديه ترسانة اسلحة امتنع الشهيد حسن نصر الله عن استخدامها ضد اهداف مدنية بتل ابيب وحيفا وغيرها خشية من الانتقام من اللبنانيين، لكن اذا وصلت المؤامرة الى محاول استئضاله من المعادلة اللبنانية فلن يبقى امامه خيارات كثيرة لاستخدامها واعادة اشعال المنطقة.
الضحية الثالثة للشرق الاوسط الجديد هي سورية، التي ضربت في اكثر من مقتل. ستبقى سوريا البلد المركزي الاهم بالنطقة بهذا الصراع، حتى بعد ازالة نظام الاسد وضرب اسس الدولة بيوم وليلة وفقسط توافقات ومخططات لم يكتمل كشف تفاصيلها شاركت بها الكثير من الدول.
المستفيد الاول اليوم هي اسرائيل التي احتلت مناطق واسعة واستراتيجية دون مقاومة من حكام “الثورة” الجدد. بل وضربت كل اسلحة وصواريخ ومخازن الاسلحة السورية في منظر محزن وقاتل وسط بعض الولولات التركية والاستنكارات العربية الخجولة، فيما دخل قادة سورية القادمون من كهوف “تورا بورا” فيما كانوا ينتقدون الأسد عليه وهي حالة “الصبر او الصمت الاستراتيجي”، مع اختلاف جوهري وهو ان نظام الاسد كان يزود المقاومة اللبنانية والفلسطينية بالسلاح وطرق الامداد، فيما ثوار سوريا اليوم يضربون سلاح المقاومة ويمنعون تهريبه ويقتلون مهربينه.
ما يخطط لسورية خطير جدا، تكون فيه الغلبة لاسرائيل التي تعيد هي وامريكا رسم تقسيمة خارطتها جغرافيا وديمغرافيا، فيما تقف داعمة قادة سوريا الجديدة تركيا بانتظار ما يلقيه عليها من فتات الرئيس ترامب وامريكا، وحتى اكراد سوريا صمتت مدافع تركيا وعملائها عن المس بهم لان امريكا ترفض ذلك، ولم تقر ما ستفعل تجاههم.
اما ايران، او كما تسميها امريكا واسرائيل بؤرة محور المقاومة، فهي لم تعد في وضع تحسد عليه، فبعد ان طحنها الحصار القاسي وما لحق بمدعوميها من مقاومين في غزة ولبنان وسوريا من خسائر كبيرة تستعد لوصول النار اليها. ما يعد لايران خطير جدا فهي تنهك داخليا اقتصاديا ومعيشيا وتزداد نسب التضخم والبطالة والفقر امام مخطط يتسرب احيانا ببعض الصحف الامريكية من رهان امريكا على اثارة انتفاضة شعبية ضد الحكم ربما علىى غرار ما جرى مع رئيس الوزراء الايراني في الخمسينيات (محمد مصدق) الذي اطاحت به المخابرات الامريكية بثورة رعاع.
الضربة العسكرية متوقعة بقوة لايران، وتحديدا لمنشاتها النووية من قبل اسرائيل وبدعم لا محدود من الولايات المتحدة، وحجم الذخائر الثقيلة التي عاد ترامب لتزويد اسرئيل بها يبدو انها مخصصة لتحصينات المنشات النووية الايرانية. ليتلو الضربة اثارة انتفاضة داخلية تنقلب على النظام الايراني الحالي وتاتي بنظام موال للغرب او منعزل على نفسه.
اليمن لن يكون بعيدا عن مخططات شرق اوسط اسرائيل وامريكا الجديد، ومحاولات الانقلاب على انصار الله الحوثيين لن يكون خارج ما يرسم للمنطقة. كما ان العراق سيكون امام اثارة فوضى وهدفا ربما لضربات جوية وسيطرة على المعادلة الداخلية من قبل امريكا واسرائيل.
يبقى اكتمال حلقة التطبيع الاسرائيلي العربي الذي سيدفع له الشرق العربي دفعا، استحقاقا لفاتورة انتصار من سيقود الشرق الاوسط.
اما مصر، اكبر دولة عربية التي تجد نفسها اليوم بمأزق كبير يمس امنها القومي ووضعها الاستراتيجي في ظل اصرار ترامب واسرائيل على التهجير للغزوايين والسطو الامريكي على غزة، فهي لا تملك من اوراق القوة الكثير، فوضعها الاقتصادي شبه منهار، ولن تغامر بتحالفها مع امريكا خاصة مع خشيتها من انقلاب المعادلات الداخلية بمصر واللعب الامريكي فيها.
نعود لما قيل بالحلف الذي تحاول ان تبنيه السعودية، ومعها دول الخليج، كدولة محورية بحثا عن دور في الشرق الاوسط الجديد، نعتقد انه لم يبق لمثل هذا الحلف دور حقيقي وفاعل في ظل النفوذ الامريكي والاسرائيلي، والى حد ما التركي، وحتى هذا الاخير، استطاع التخريب في المعادلات القائمة بالوقوف متفرجا في ضرب عصب المقاومة بغزة والتواطؤ على المقاومة اللبنانية عبر الساحة السورية والانقلاب على التفاهمات مع روسيا وايران، ليترك فاعلا رئيسيا يرسم وينفذ ويتوسع وهو اسرائيل بدعم امريكي.
هل قدمنا سيناريو متشائما للشرق الاوسط الجديد؟! ربما.. وربما سيكون الوضع اسوا. نعم نعتمد على الشعوب الحية التي لا يمكن ان تقبل بالهزيمة والانكسار فترة طويلة.. لكن هذه الشعوب باتت ضائعة لا بوصلة لها في ظل الانقسامات في الوعي.. شعوب قيدت وتقاد من المؤسسات الرسمية والدينية والاعلامية العربية الى اسوا اوضاعها.. حتى بات بوعيها المشوه التعايش مع اسرائيل وامريكا اخف عليها مع التعايش مع ايران وحزب الله والمقاومة!!