سعيد الصالحي
عاود صديقي -خفيف الظل- الاتصال بي مجددا وقال: “عن أي سقف تتحدث؟ يجب أن تكون مباشرًا أكثر، وأن توجه قلمك نحو الهدف مباشرة، فعلى ما يبدو أنك ما زلت لا تمتلك الشجاعة الكافية”.
يريد مني صديقي -خفيف الظل- أن انتقد الحكومة وقرارتها بشكل مباشر، وأن أتحدث في السياسة الداخلية والخارجية كخبير، وأن أعطي رأيي بقرار دولة ما أو تصرف دولة أخرى كسفير، وأنا أقول له الكل يفعل ذلك، ومعظم أفراد الشعب العربي خبراء في السياسة والاقتصاد والاجتماع، والكل يتحدث ولكن لا يسمع بعضنا الآخر، وأنا أفضل أن أكتب عن همومنا البسيطة التي تعنيني، كالخيبات والخسائر والألم وقلة الحيلة، وأعبر عنها بمفرادتي البسيطة، فأوجاعنا الصغيرة لم يحملها لنا كائن فضائي، ولم تأت بغتة كالزلزال، فأوجاعنا لم تعد موسمية كالعكوب والهندباء، فقد أصبحت يومية وتشبه المنخفضات الجوية الاخيرة، لا تمر دون أن تترك شرخًا هنا وتشققًا هناك، وتارة تأخذ دور الفاتورة الشهرية، التي علينا أن ندفعها سواء أوجعت أرواحنا أم لم توجعها.
فأنا كمواطن بسيط أفهم كلمة الاقتصاد بمعنى التوفير والتدبير، وأعظم حلولي الاقتصادية هو التأجيل والمماطلة، وكلمة سياسة بالنسبة لي أن لا أغضب أحدًا، وألا أواجه أحدًا إلا بالكلمة الطيبة، وأن أتلقى الصفعات والشتائم وارتفاع الأسعار بحكمة، أما علم الاجتماع فلا يعني أكثر من جاهة أو دار أجر عليّ أن لا اتأخر عن المشاركة بهما.
أنا كإنسان لي حدودي وأدبياتي الخاصة التي فصلت تفصيلًا على مقاسي كالقميص، وأتعامل مع السياسة والاقتصاد والاجتماع بقدر فهمي وحاجتي، فبدل أن أقضي ساعات في القراءة عن سعر الفائدة أو التضخم، وبدل أن أتابع البرامج الحوارية التي لا تمل ولا تكل من تحليل كل شيء، حتى هلال رمضان أمسى لا يتولد إلا مع تحليلاتهم ، فأنا أفضل الاستماع للموسيقى وقراءة كتب الفلسفة، وأنسى نفسي إذا ما وجدت فيلما وثائقيًا يتحدث عن النمل أو النحل أو عن البندورة المعلقة.
فالعالم كبير خارج حدودي، وأنا لست مؤهلًا للولوج إليه، لأنني منذ زمن بعيد أضعت الرابط، ونسيت اسم المستخدم وفقدت كلمة المرور.
فلا أدري إذا كان الحل يكمن في ضبط الإعدادات وإعادة الأمور إلى “إعادة ضبط المصنع”.