العالم بأسره، ومنذ اللحظة الأولى لجأ لوضع إجراءات احترازية لمواجهة فيروس كورونا ، مكنتها من السيطرة إلى حد ما من توسع رقعة انتشاره ، إلا أن هذه الإجراءات أوجدت بيئة خصبة لنمو المشاكل الأسرية خاصة لدى بعض الأسر التي تعاني مشاكل وتفككا أسريا، فارتفعت حالات العنف داخل الأسر، مع ازدياد المتطلبات المعيشية والغذائية في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية التي تضاعفت مع ظهور الجائحة . وبفضل – كوفيد 19 – ، تحولت ( منازلنا الهشة ) إلى أكثر مكان يُهدد حياة النساء والاطفال؛ بعد أن تجرد من توفير الأمان ، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تفعيل القوانين وتغليظ العقوبات على مرتكبي العنف المنزلي ، لردع مثل هذه الاشكال في المنازل ، والتي يمكن أن تعمل على تهديد الوضع الصحي أو الأمني للدولة .
صرخة مدوية، اطلقتها أم عشرينية مطلقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، تشكو ظلم والدتها واشقائها الذكور وجورهم وتنمرهم الدائم عليها وعلى ابنها لآنها مطلقة ، رغم أنها تعمل وتنفق على نفسها وعلى ابنها ، إلا أن التنمر بلغ حده في فترة الحجر المنزلي ، حيث طردها اخوتها ولم يسمحوا لها بالعودة ، إلا بعد احضار المال .
هذه الأم المطلقة، عانت التنمر عندما ضغطت عليها والدتها للتنازل عن حقها الشرعي في الميراث لصالح اخوتها الذكور ، وبعد طردها من منزلها هي وابنها لجأت لمنزل صديقة لها ، لتقوم إحدى المنظمات بتوفير سكن لها مؤقتا في احدى الحضانات المغلقة بسبب الحظر ، لحين ايجاد حل لقضيتها .
كوفيد 19 ، أعاد للواجهة معاناة الأمهات المطلقات في الحصول على نفقة الأبناء ، وتفاقمت مشاكلهن مع ذويهن لمجرد تأخر صرف النفقة نظرا لظروف صدور قرار أمر الدفاع القاضي بتعطيل الدوائر الخاصة والحكومية ومن ضمنها المحاكم ، الأمر الذي حال دون حصول المطلقات على النفقة في الوقت المحدد ، وهذا ما تنبهت له الاردن ، ودعا قاضي القضاة الاردني – للحد من المشاكل المترتبة جراء ذلك – إلى اطلاق رابط إلكتروني لتقديم طلب لإيصال النفقة لمنازل المطلقات عن طريق مأمور الأجرة -الدليفري-.
صدر تحذير أممي من تصاعد العنف ضد النساء بسبب كورونا ، حيث حذرت منظمة الصحة العالمية في رسالة نشرتها عبر تويتر ” من تصاعد عالمي مرعب .. للعنف المنزلي وسط تفشي أزمة الفيروس ، إذ أن مكافحته وكبح جماحه يتطلبان الاغلاق والحجر الصحي ، إلا أن هذا الاجراء ” أغلق على النساء مع شركائهم المسيئين “.
للأسف هذه القصص ليست الوحيدة ، إلا أنها تترجم حجم المعاناة التي القت بظلالها على النساء في ظل هذه الظروف الصحية العالمية الاستثنائية ، والتي كانت أشد وطأة على النساء تحديدا، وقد يكون أشدها ظلما ذلك الخبر الذي تصدر النشرات وكان مفاده ، إقدام زوج على اطلاق النار على زوجته وارداها قتيلة ، لتكون أول ضحايا الحجر الصحي وحظر التجول .
علينا أن لا نغفل بأن الحظر المنزلي ، فاقم معاناة النساء كونهن المسؤولات عن تدريس الأطفال في المنازل بسبب إغلاق المدارس ، إلى جانب الاعباء المنزلية التي لا تقبل القسمة على أثنين ، وتقع على عاتقها الاعمال المنزلية واعداد الطعام ، ناهيك عن ضعف الدخول أو توقفها كون غالبية النساء يعتمدن على مشاريع اسرية يقمن بها داخل منزلهن ، ولحظر التجول ولانتشار الفيروس توقفت المطابخ الإنتاجية التي تعتمد الكثير من النساء العاملات عليها كدخل يساعد أسرهن، بعد أن توقفت تلقائيا بسبب الظروف العالمية المستجدة .
الحظر وضع لحماية المواطنين صحيا من الفيروس، إلا أنها اجراءات لم تحم النساء الاردنيات من العنف والتعنيف ، حيث انتشر في الأيام الأولى للحجر فيديو يظهر فتاة تسير في الشارع العام تجر خلفها شنطة سفر، فيها بعض متاعها ، وفيها الكثير من كسرة النفس والخاطر ، ورغم إعلان الدولة لحظر التجول الشامل ، ووضع عقوبات صارمة للمخالفين ،لكن هذه الفتاة وجدت العقوبات الحكومية أرحم من بقائها في الإقامة الجبرية بكنف زوج أو أب لا يرحمان ، قصة هذه الفتاة غير معروفة ، إلا أنها على كل الأحوال تعكس واقع حال مرير تعانيه المرأة .
في ظل أزمة الكورونا اكتشفنا بأننا نعاني فيروس أخطر وألعن ، ألا وهو فيروس الجهل والفقر والعنف ، الذي يستهدف تعنيف أحلام المرأة ، وقتل فكرها ، والحد من تقدمها ، قبل تعنيف جسدها ..