محمود الخطاطبة
كانت الأيام الماضية «حُبلى» بالتوقعات والتصريحات والتلميحات، تجاه الإبقاء على وزارة العمل، والتي كان آخرها يوم أمس، عندما أعلن رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، ومن تحت قبة البرلمان، بعدم إلغاء تلك الوزارة المُهمة، وقبلها كان مجلس النواب يتمسك بوزير العمل رئيسا لمجلس إدارة الضمان الاجتماعي.
فمن توصية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بعدم إلغاء «العمل»، إلى تمسك لجنة العمل والتنمية الاجتماعية والسكان النيابية بالنص الأصلي للمادة 2 من مشروع قانون الضمان الاجتماعي، المُتضمن الإبقاء على تعريف رئيس مجلس إدارة الضمان في وزارة العمل مُتمثلة بوزير العمل، إلى تأكيد نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وزير الدولة لتحديث القطاع العام، ناصر الشريدة، بأن الحُكومة ستعيد هيكلة الوزارة وتطوير قدراتها. وعلينا تزويدها بكل الموارد التي تمكنها من القيام بذلك».
تلك خُطوات في الاتجاه السليم، إذ لا أحد يشك في أن بقاء وزارة العمل، التي تهم الشريحة الأكبر من العمال، وتُعتبر مسؤولة عنهم، من شأنه المُحافظة على سياسات الحماية الاجتماعية لهذه الفئة، فضلًا عن دورها الرئيس في عمليات التشغيل.
إلا أن ذلك يطرح أكثر من استفسار يتوجب على المسؤولين المعنيين الإجابة عليها، فضلا عن أنه يضع أكثر من علامة استغراب، تصل إلى حد الاستهجان، والذي يتمثل بكيفية اتخاذ القرارات الحُكومية، أو بناء استراتيجيات وخطط رسمية. فالأصل عندما يتم اتخاذ قرار أو إجراء مُعين، أن يكون قد مر بالمراحل الأساسية لذلك، لكي يكون ذا جدوى ومنفعة تعود على الوطن ومن قبله المواطن.
ليس هُناك مُبالغة عندما يتم القول بأن بعض مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الحُكومة نفسها، تمتاز بصفة «التخبط» في عملية اتخاذ القرارات والسياسات، وما التصريحات والإعلان عن العدول عن إلغاء وزارة العمل، إلا دليل على عدم التنظيم، ووجود قصور واضح في عملية الإدارة ككُل.
كيف تُصنع القرارات الحُكومية.. سؤال ما يزال، ويبدو أنه سيبقى، برسم الإجابة.. لكن الظاهر أن القرارات والسياسات تُتخذ بناء على اجتهادات فردية، لا يمت بأي صلة إلى عمل مُنظم أو حُسن إدارة أو تخطيط منهجي، ويُمكن القول بأنها عبارة عن «تخمينات»، أو قُل بأنها «تجارب»، باتت تُكلف الكثير، وتستنزف طاقات وجهود وأموال.
كم من الوقت والجهد استنزفته خريطة تحديث القطاع العام، والتي أوصت بـ”إلغاء” وزارة العمل، التي تُعتبر وزارة أساسية في كُل دول العالم بلا استثناء، ناهيك عما تم هدره من أموال أُنفقت خلال اجتماعات عقدها المُشاركون فيها، حتى تمكنوا من صياغة توصيات.
أمر آخر جد خطير، يتمثل بتصريح لنقابي، أفاد بأن «عودة وزارة العمل، جاء عقب اجتماعات دولية مُكثفة ارتأت أنه من الأفضل الإبقاء على هذه الوزارة».. إن ذلك ناقوس خطر جديد، يدل بطريقة أو أخرى على أن قرارا مثل ذلك، يحتاج إلى أياد دولية، يبدو أنها إحدى أذرع صندوق النقد الدولي!.. والأرجح أن هذه الأيادي هدفها مصلحتها فقط، وذلك ظاهر بالتصريحات التي أشرت إلى «الحفاظ على مصالح العمال وأصحاب العمل التي ترتبط بها الاتفاقيات الدولية».
للأسف، نحن في القرن الواحد والعشرين، وما تزال الحُكومة حبيسة اجتهادات وقرارات وسياسات غير مدروسة، تُتخذ بلا خطط مُنظمة، والخاسر الوحيد هو الوطن والمواطن.. إلى متى سنبقى هكذا؟.