يوسف غيشان
يعيش الكاتب اليومي (تحديدا الساخر) حاليا تحت ضغط نفسي عالي الوطيس، فهو يكتب والجريد في القلب، ويحتاج الى مادة جديدة خارجة عن المألوف والسائد، فلا معنى للشجب والشتم والاستنكار، فهذه مواضيع إنشاء تصلح للتلاميذ، وحينما يبتعد قليلا – وليس كثيرا-عن الموضوع السائد، أيا كان الموضوع، يتعرض غالبا الى قصف من العيار الثقيل من قبل نمط من القراء يعتقدون ان على الكاتب ان لا يتحدث الا عن المعركة الدائرة.
اعذر هؤلاء القراء-حسنو النوايا -الذين يمثلون نسبة قليلة بين متصفحي المقالات على الانترنت، لكنها نسبة مؤثرة تضع الكاتب تحت ضغط نفسي دائم، في الوقت الذي لا يستطيع فيه الإستجابة الى الحاحهم. اعذرهم لأنهم يعتقدون ان على المعركة ان تكون هاجسنا جميعا…وهي كذلك، لكننا لا نستطيع الغاء حركة الحياة الطبيعية. ان الترهب في مجال المعركة يجعلنا نتغاضى او نتجاهل او نتناسى ما يحصل من تقصير في الكثير من مناحي الحياة.
تحت شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) قامت حكومات عربية على مدى عقود على قمع شعوبها وابتكار قوانين الطوارئ والدفاع ومنع الاجتماعات، بحجة ان الجهود ينبغي ان تتوجه جميعها للمعركة. وهكذا تأخروا وتقدم الاخرون…. انهزموا وانتصر الآخرون…. تفككوا وتوحد الآخرون …. !!
= هل يريد القارئ من نادي الوحدات مثلا ان يتوقف عن الدخول في البطولات المقررة سابقا، بحجة مقاطعة صفقة القرن؟
= هل يريد من العامل التصالح مع رب العمل، والتوقف عن المطالبة بحقوقه العمالة، تحت شعار (مش وقته)؟
= هل يتقاعس الطبيب عن العمل وكذلك المهندس والموظف والخفير والوزير …بحجة تكثيف الجهود في مجال واحد؟؟
= هل نتوقف عن نقد الفاسد ومواجهة الحكومات وسياساتها، والتحالف معها على قاعدة العدو المشترك؟؟
هذا أكثر شيء تريده الحكومات ورب العمل والفاسدون وأعداء الرياضة …والأعداء ايضا. لأنهم -اقصد الأعداء – يكونوا قد فشلوا في معركتهم على الأرض، لكنهم نجحوا في تفتيت ارواحنا وتحويلنا الى كائنات برسم الانكسار لأنها تخلت عن عمقها الإنساني وتحولت الى حجر في الفضاء يشتغل على قانون الفعل وقانون القصور الذاتي، وسوف يسقط لا محالة.