رمزي الغزوي
يكون النهار قصيراً في أيام الشتاء؛ كما ورد في قصة الكاتب الروسي الشهير تشيخوف، لأنه وحسب سذاجة أحد جنود القوزاق يتقلص بالبرودة مثل بقية الأشياء. أما الليل فيسخن بسبب دفء الشموع والقنديل ويتمدد ليطول ويطووووول.
ربات البيوت الروسيات لديهن حيلة عظيمة للتقليل من حوادث تكسر كأسات الشاي الزجاجية (الاستكانات) في برد الشتاء، فهي تتعرض للكسر المباشر والتشقق السريع، بعد أن يصب فيها الشاي الساخن، لأنها لا تتحمل التمدد المفاجئ بالحرارة.
الروسيات يعمدن إلى وضع معلقة معدنية صغيرة في كل كأس عند صب الشاي، وتكون المعلقة مصنوعة من الحديد أو النحاس أو الفضة، أو الذهب أحياناً، فهذه المعلقة تعمل كمصدات وقائية، تمتص بسرعة كبيرة حرارة الشاي العالية، وتقلل من سخونته، فتحمي بذلك الكأس من التمدد المفاجئ، وتقيه كسرا حتمياً.
وتختلف الملاعق المستخدمة في امتصاص الحرارة تبعاً لمادة الصنع، فملاعق الحديد قد تفي بالغرض، لكنها ليست كملاعق الفضة، والتي أيضاً ليست كملاعق الذهب، فالذهب هو الأكثر موصلية، وباستطاعته كبح جماح الشاي المصبوب، وامتصاص حررته مهما كانت عالية.
بيوتنا في أحسن حالاتها كؤوس زجاج في مهب اللهب، ينصب فيها شلال الأسعار الحارق، فهي ستلاقي تكسراً سريعاً، وتصبح بعد صبة أو صبتين هشيما تلمه المكانس وتلتقمه الحاويات: فهل من مصدات حقيقية تقينا هذا الغليان المسكوب فوق رؤوسنا؟
لا نريد أحداً ينصحنا أن نكون كوؤساً خشبية أو بلاستيكية أو فخارية، لا نتأثر بغليان الأسعار التي تشتد على أصحاب الدخل المحدود، فهذا اقتراح يقرب من سذاجة جندي القوزاق، إذ يفسر طول الليل بدفء شمعة، ولكننا وفي حال بقاء الأسعار المغلية فوق الرؤوس نحتاج إلى ملاعق، أقصد مصدات وقائية، علها تقينا هذه الضربات، وإلا سنغدو هشيما تجمعه المكانس لأفواه الحاويات.
ندرك أن البيوت التي تحرك شايها بملاعق الذهب أو الفضة تستطيع أن تمتص غليان الأسعار والأسواق، ولربما تنجو من التكسر تحت حرارتها، ولكن البيوت الكثيرة التي لا يملأ كأسها إلا الهواء، هي التي ستتكسر مع كل سعار للأسعار.
المحزن أن كل أحزمة الأمان الاجتماعي ومصداته والتي نقروا رؤوسنا بالحديث عنها والتخطيط لها، ما هي إلا هواء لن يقينا الصدمات الاقتصادية سيما في جائحة مؤلمة كالتي نعيش، وتلك المصدات ليست إلا ملاعق خشبية، وهي لا تمتص شيئا من لهيب الأسواق وحرارتها.
لا نريد معالجات سطحية على طريقة «الفزعة» التي تعالج العرض ولا تقرب من المرض، ما نريده الآن أن يكون لكل كأس ملعقة تمتص الحرارة المنهالة عليه كي نحمي الرؤوس من تكسر حتمي.