سوسن المبيضين
وسط قتامة المشهد العربي الحالي, وهشاشة اللحمة والتماسك, ومظاهر التردي والوهن , وفجوة كبيرة أخذة بالإتساع , من خلال الضغوط القاسية , التي يتعرض لها لبنان ,تكتنفها الصراعات الداخلية والخارجية, اثر تصريحات لوزير اعلامها ,قبل أن يصبح وزيرا لا تغني ولا تسمن من جوع , أمام نظام عربي موحد, أو بالأصح وطن عربي موحد وقوي ,إلا أنه بات واضحا أن الحاضر بائسا والمستقبل غامضا , وبأننا أمة الحناجر العالية والسلطوية وليست أمة العقول اليقظة , بالرغم من أن التجارب الماضية اثبتت أن الأمم والشعوب العظيمة هي التي تعي وتدرك جيدا أن قوتها في وحدتها ,واتحادها وليس في التصيد لأخطاء بعضها البعض ، وأن الفرقة والخلاف والتنازع, هو الطريق للسقوط.
لهذا، فإن من مصلحة قادة الدول العربية , التصالح مع النفس أولا، ومع شعوبها ثانيا , ومن ثم التصالح مع بعض ثالثا , وتدرك أن قوتها في وحدتها, وتبتعد عن كل أنواع النزاعات والخلافات, و صنع الأزمات التي باتت تعصف بالوطن العربي وتضعنا في مهب الريح .
المقام هنا ليس الدخول في صميم الإشكال ما بين البلدين الشقيقين , او ما بين دول الخليج ودولة لبنان , وخصوصا أن كل طرف لديه من الحجج والأدلة على حسن النية ، فاختلاف وجهات النظر أمر متصور وطبيعي، ولا يستدعي الوصول إلى قطيعة دبلوماسية بين دول عربية وشقيقتهم , لتتطور هذه القطيعة الى خلاف وشرخ , ينعكس على النسيج العربي بمجمله وأمنه القومي, وهذا لا يتمناه أي عربي ,وخاصة في ظل التحديات والتطورات والتغيرات الدولية والإقليمية التي يشهدها العالم أجمع ومناطق مختلفة من عالمنا العربي، والتي تتطلب وحدة الصف والكلمة وتضافر الجهود من أجل حماية المنظومة العربية.
جاءت هذه الأزمة بين لبنان ودول الخليج في ظل معاناته من أزمة مالية خانقة وشح شديد في سيولة العملة الصعبة, وفقدان الليرة اللبنانية لقيمتها , وفي ظل أسوأ أزمات يواجهها منذ عشرات السنين.
ولسنا هنا متناسين كيف كان دور دول الخليج , التي دأبت على تزويد الاقتصاد اللبناني بالأموال والدعم الازم في أزماته السابقة , لكن النفوذ المتزايد لجماعة حزب الله بات يثير قلقها , وخصوصا أن العلاقة بينهم لا يقل وصفها عن التوتر الدائم, بسبب تباين المرجعية الدينية والسياسية بين الطرفين.
وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي صاحب الأزمة وسببها , إعلامي عريق, وسياسي متمرس ,ويمثل حالياً رأس الإعلام اللبناني , واسواء قدم استقالته , أم لم يقدمها , فقد كان رأيه شخصياً ولا يعكس موقف الحكومة اللبنانية المتمسك بعلاقات قوية مع السعودية, والإمارات, ودول الخليج بشكل عام , وبما أن رئيس الدولة أدان تصريحات قرداحي واستنكرها , وحزب المستقبل كذلك , ومعظم التيارات السياسية والدينية اللبنانية , فقد بات واضحا ان استقالة الوزير اصبحت “قاب قوسين أو أدنى”, لكن تبقى المسألة ليست سهلة في ظل , عدم قبول حزب الله لهذه الإستقالة , مما سيبقي الحكومة تحت الضغط الخليجي الشديد , وربما ستصل لحد الإنفجار .
ومن هنا لا بد للزعماء العرب بأخذ زمام المبادرة والتدخل , لرأب الصدع , ووضع الحلول للتحديات، ووضع حد للخلاف , وانهاء الأزمة , بمصالحة وطنية عربية جديدة , وحفظا لماء الوجه , ما يجنب المنطقة التدخلات الخارجية في شؤونها .