أ. د. بـــــــلال أبوالهــدى
لقد خلق الله الناس جميعا من نفس واحدة، سيدنا آدم ابو البشر الأول وخلق زوجه من نفسه (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا (النساء: 1)). وجعل ذرية آدم فيما بعد، بعد أن سن وشرع الله الزواج بين سيدنا آدم وزوجه (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (الأعراف: 189)). وبعد ان سن وشرع الزواج بين أبناء آدم وذراريهم، جعلهم شعوبا وقبائل تتكلم لغات مختلفة، وحتى يتم التفاهم فيما بينهم يجب تعلم لغات بعضهم الآخر (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ، وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (الحجرات: 13، الروم: 22)). الا اننا او عرفنا المحبة بين الناس فهي: نوع خاص من أنواع الحب الفطري وتدل على الحب اللامحدود واللامشروط بخلاف المعنى العام للحب، فإن المحبة لا تمثل الحب البيولوجي بين البشر فقط، بل تدل على الحب المطلق تجاه شخص ما أو فكرة ما أو الله سبحانه وتعالى بعيدا عن رغبة الجنس مع محبوب كما يفهم من كلمة “حب”. ولو عرفنا العطف فهو: لغة الميل، وفي اللغة عطف فلان على فلان أي أشفق عليه. ولو عرفنا الإعجاب فهو: عاطفة اجتماعيَّة يُثيرها أشخاص من ذوي الكفاءة أو الموهبة أو المهارات التي تتجاوز المعايير العادية ويساهم الإعجاب في تسهيل عمليَّة التعلُّم الاجتماعي ضمن الفريق، ويُحفِّز على تحسين الذات من خلال التعلُّم من النماذج العليا للفرد. ويعبر عادة بالمحبة والعطف والإعجاب والحنان بين الناس ذكورا واناثا كبارا وصغارا بلغة تقاطيع الوجه ولغة الجسم فكل الناس تفهمها بدون حاجة لتعلم لغات بعضنا البعض او وجود مترجم فيما بينهم.
ولكن حتى يتم التفاهم وتتحول المحبة والعطف والاعجاب والحنان الى علاقة بيولوجية وحب لا بد من التفاهم عن طريق تعلم لغات بعضنا البعض او وجود مترجم فوري بيننا كما هو موجود مترجم فوري في مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة ليفهم كل مندوب من مندوبي الأمم المختلفة عن طريق ممثلي دولهم ما يقول الآخرين. ولكن سبحان الله العظيم حتى يعم جزء من مائة جزء من رحمته على عباده في الدنيا وبين بعضهم البعض رغم اختلاف اجناسهم واعراقهم ولغاتهم وبين خلقه اجمع من غير الإنس. جعل لغة المحبة والعطف والاعجاب والرأفة والحنان لغة دولية ومفهومة من قبل الناس اجمعين وبين خلقه أجمع كما ذكرنا من غير الإنس، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول ﷺ يقول: جَعَلَ اللهُ الرحمةَ مائة جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلَائِقُ، حتى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ. وفي رواية اخرى: إِنَّ للهِ تعالى مئةُ رحمةٍ، أَنْزَلَ منها رحمةً واحدةً بَيْنَ الجِنِّ والإنسِ والبَهَائِمِ والهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وبها يَتَرَاحَمُونَ، وبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ على وَلَدِهَا، وأَخَّرَ اللهُ تعالى تِسْعًا وتِسْعِينَ رحمةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يومَ القِيَامَةِ. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه-قال: قال رسول الله ﷺ: إِنَّ للهِ تعالى مئةُ رحمةٍ فمنها رحمةٌ يَتَرَاحَمُ بها الخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وتِسْعٌ وتِسْعُونَ لِيَومِ القِيَامَةِ. وفي رواية: إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ مئةَ رحمةٍ كُلُّ رحمةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ، فَجَعَلَ منها في الأَرْضِ رَحْمَةً فبها تَعْطِفُ الوَالِدَةُ على وَلَدِهَا، والوَحْشُ والطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فإذا كانَ يومُ القيامةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِه الرحمةِ.