سهير جرادات
وصفي، لله درك، ايها الشهيد…أيها الميت الحي فينا ، قرابة النصف قرن مرت وما زلت حيا بداخلنا.وصفي ايها الرمز عندما نتحدث عن العروبة والمروءة والقومية والرجولة ، والإنسان النقي ، والمواطن المحب لوطنه ولبلده، العاشق لترابه.ابا مصطفى عند البحث عن الرجل القدوة ، والمسؤول النموذج ، والفكر والرؤى الوطنية، لا نجد إلا صورتك.وصفي التل ..أيها الاسطورة ، يا من تربعت على عرش قلوب الاردنيين جميعا، لغيرتك على وطنك وعروبتك وقوميتك ، أيها المدافع عن قضايا الأمة العربية .. يا شهيد الوطن ، والعروبة ، أيها المخلص لوطنك والمدافع عن الشعب الأردني ، والمتلمس لحاجاته واحتياجاته.أنت رجل الدولة الذي بادر إلى فتح صفحات جديدة مع الحزبيين والمعارضين ، وعملت على تبييض صفحاتهم بقرار عفو عام شمل المعتقلين والفارين وحتى الضباط الذين حكمت عليهم المحكمة بتهمة قلب نظام الحكم ، ولم تكتف بإغلاق ملفاتهم ، بل قمت بإحراق سجلات قضاياهم ، ومنحتهم فرصة لترجمة حبهم لوطنهم من خلال إعادة الثقة بهم وإشراكهم بقضايا الوطن من منظور جديد قائم على احترام الفكر وحرية التعبير ، حتى انفردت بأن حُملت على الأكف من قبل المساجين لتحقيقك لأكبر مصالحة وطنية بين المعارضة والحكم .كيف لا ، وأنت لم تتخذ من منصبك برجا عاجيا ، وحرصت على التواصل مع أبناء جلدتك ، فكنت تغيث الملهوف والمقطوع بالطريق ، وتتلمس احتياجات الاطفال لكي ينموا بطريقة تصب في مصلحة الوطن ،وتابعت الشباب وكنت تحثهم على التعليم لينهضوا من خلاله بأنفسهم وبالوطن ، فكانت أول جامعة تؤسس في زمن حكومتك ، وأول مؤسسة لرعاية الشباب ، ووضعت الخطط والبرامج المستقبلية للتنمية الاقتصادية ، ودعمت الأغنية الوطنية الأردنية ، وكنت أول من أقر عطلة عيد العمال لاحترامك لمن يقوم ببناء الوطن ، وكنت صاحب فكرة زيارة الحكومة للمحافظات؛ للاستماع إلى شكوى المواطن ومطالبه عن قرب.فيا ترى هل أنصفناك !؟ بالتأكيد ، لن يتسع هذا المقال ولا عشرات المقالات للحديث عن مواقف وصفي التل وفكره ورؤيته ، التي لم يتمكن من تطبيقها اذ اغتالته يد الغدر، لتنهي حلم حياته، التي قدمها رخيصة مقابل عروبته ووطنيته، وإيمانا بقضايا أمته التي أمن بها ، وعشقت ترابها ، فأنت الذي ولدت في كردستان العراق ، ونشأت في الأردن ، وتلقيت علومك في لبنان ، وحاربت في صفوف المقاومة في فلسطين ، وفارقتنا روحك في مصر العروبة بعد أن حاولوا اغتيال فكرك قبل جسدك ،ولكنه سيبقى فينا.وفي ذكرى استشهادك السابعة والاربعين ، اشتعلت التغريدات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ، وتزينت بصورك ، ومواقفك ، ومقتطفات من فكرك ، والقصص المتداولة عنك ، فتبادل محبوك العبارات التي ترجموا فيها حبهم لشخصك يا صاحب الفكر والرؤى ، واليد النظيفة ،فأنت من تركت الدنيا صفر اليدين ، بل مديونا، وقد علمت الجميع أن المناصب هي لخدمة الوطن وليس للمنافع الشخصية ، وأنت الذي أطلقت مقولة :” إن الحكومة خادمة للشعب لا حاكمة له”.الغريب في الامر ، أن أصحاب هذه المنشورات هم من جيل الشباب الذين ولدوا بعد استشهادك بسنوات ، لم يقابلوك ، ولم يعاصروك ، وإنما أحبوا فكر رئيس، تولى رئاسة الحكومة في أخطر مرحلة مرت على الأردن ، والأكثر تهديدا لوجوده ، حتى أوصلتها ومن معك من الرجال إلى برالأمان بمقتك للإقليمية ، وانتمائك لعروبتك ، ومحاربتك للفساد الاداري ، من رشوة ومحسوبية ….كيف لهم أن لا يعشقوك ، وأنت القدوة التي يبحثون عنها …يده نظيفة ، همه الشأن العام ، وهموم المواطن ، وصاحب الضمير الحي الذي يحارب الفساد ، ويراعي مصالح الوطن وحمايته ، مترجما عشقه لترابه من خلال حماية الرقعة الزراعية التي تعني وتشغل كل مواطن ،وصاحب مخطط وضع نظام يوقف البناء غربي عمان لأنها منطقة ماطرة زراعية تنمو بها الأشجار، أما شرقي عمان القريبة من الصحراء فإن التعمير فيها سيزيدها خضرة ويجعلها منطقة خضراء.سيبقى الشباب الأردني ، الذي يعيش الحاضر المؤلم في ظل غياب الأمل لتحسن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يتمنون لو كانوا في زمنك يا وصفي ، يهتفون باسمك ، ويذكرونك ، ويبحثون عنه ، كلما ازداد عشقهم للوطن لأنك الرمز في الدفاع عن قضايا الوطن والامة العربية.وصفي، أنت المؤمن بقضية العرب الأولى القضية الفلسطينية ، وأول من أعلنت بأن القدس هي العاصمة الثانية للأردن ، يا من قضيت على ايدي ضيقي الأفق ، الذين اعتقدوا خاطئين أن اغتيال صاحب الفكر القومي يخدم قضيتهم.لله درك يا وصفي التل .. عزت الرجال بعدك ، وقل نظيرك .. ستبقى أنت شغلنا الشاغل وأنت حي وأنت ميت .. ستبقى الأسطورة في حبك النزيه لوطنك وعروبتك .. وسنبقى نبحث في داخل أنفسنا عن وصفي .. على روحك السلام .