فارس الحباشنة
اي اردني متيقن بالسياسة يقر و يقول انه من المستحيل و المستبعد طرد السفير الاسرائيلي من عمان . النواب سلموا الحكومة مذكرة تطالب بطرد السفير الاسرائيلي ، الحكومة تعهدت بان تدرس المذكرة و تراجعها لتقر على ضوء ذلك من مشاورات و غيرها مصير وجود السفير الاسرائيلي في عمان .
مطلب طرد السفير الاسرائيلي شعبي اردني ، و يجدول ضمن سلسلة مطالب شعبية مرتبطة بالعلاقة الاردنية -الاسرائيلية ومنها .. الغاء اتفاقية وادي عربة و وقف العلاقة الاقتصادية و التجارية .
اللحظة الراهنة مناسبة لاتخذ قرار رسمي اردني ازاء العلاقة مع اسرائيل ، سواء فكها او اعادة ترتيب اوراقها بما يضمن حماية ما هو مهضوم و محاصر و مسلوب من الحقوق الاردنية ، و خصوصا من ملاحق اتفاقية وادي عربة ، و لا يتلزم الجانب الاسرائيلي ببنود الاتفاقية ، ومعاناة العطش الاردني و ازمة المياه و شحها يعايشها الاردنيون بمرارة و قسوة في هذا الصيف الحار .
واي موقف رسمي ازاء العلاقة مع اسرائيل يملك حيثيات شعبية تتيح له الدعم الوفير والغطاء السياسي .. و لربما ان الفرصة في السياسة كما تعلمنا من دورس التاريخ لا تاتي مرتين ، و مرة واحدة تاتي ، و صاحب المسؤولية و الارادة الحرة من يجيد استغلالها و توظيفها ، و استيعابها و هضمها بما يخدم مصالحه الوطنية العليا .
اسرائيل تتحدى الاردن ، و ما نزل من انتهاكات و اعتداءات و عدم التزام اسرائيلي باتفافية وادي عربة ، وعدم احترام للوصاية الهاشمية في القدس ، فانه اسقط على العلاقة بين عمان و تل ابيب كل الاختبارات و الحسابات على اختلاف قياستها ، وبما يكون بشكل موازي واستباقي و ضاغط يعطي الاردن دورا و فرصة اوسع للمناورة على مساحة مصالحه القريبة و البعيدة .
العدوان العسكري الاسرائيلي على غزة دخل يومه العاشر ، و قد يمتد الى يومين اخرين و اكثر قليلا .. و خلال الايام الاخيرة ترددت اخبار عن مبادرات و تدخلات عربية واقليمية ودولية لوقف العدوان الاسرائيلي ، وطرحت مصر وقطر مبادرة لوقف اطلاق النار رفضتها حركة حماس ، و لم تكشف الدبلوماسية المصرية و القطرية عن تفاصيلها ، ولماذا رفضت حماس ؟
بنك الاهداف لحرب غزة قد نفد، و في الربع ساعة الاخيرة من المعركة فقد وسعت اسرائيل من استهدافها لمواقع و اهداف مدنيةو بشرية ، و الاستهداف البشع اصبح مكشوفا للبنى التحتية و المستشفيات و المراكز الصحية والمدارس و الجامعات و الاحياء السكنية ، و المساجد و الطرق و اغلاق و تدمير كل المنافذ الموصلة للمعونات و الامدادات لغزة المنكوبة و المحاصرة .
واذا سلمنا للمعاييرالعسكرية و الاستراتجية فان الحرب قد شارفت على الانتهاء .. و ما افرزته حتى الان فان اسرائيل شبه خاسر لجولات العدوان على غزة الضفة و القدس ، وان المقاومة بقوة الردع المتطورة ثبتت معادلة جديدة في الصراع الفلسطيني -الاسرائيلي ، و حمت القدس ، و اثبتت ان غزة هي درع القدس و فلسطين و حاميها ،وان عنوان المواجهة عن المقاومة لا غيرها .
وما بعد حرب غزة .. فان المسالة لا تتوقف حتما عند حرب ومواجهة قد حطت رحاها على الارض . فالعلاقة الاردنية -الاسرائيلية رغم الحذر الرسمي الاردني الشديد فانها ستكون محفوفة في مخاطر و توترات و احتمالات مفتوحة كثيرة .
حرب غزة خرجت بدروس وعبر سياسية كبرى ، ومن الصعب التغاضي عنها او تجاهلها او القفز من فوقها .. الحرب اطقلت رصاصة الرحمة على اتفاقيات السلام ، و ما قد انتهى اليه من فشل على المستويين السياسي و الاقتصادي . و سياسيا ان السلطة الوطنية في رام الله عاجزة و قاصرة و تهرب
من استحقاقات القضية الفلسطينية ، وان سياسة اليمين الصهيوني المتطرف المسيطر على القرار الاسرائيلي ستسير حتما بعد حرب غزة نحو حرق فرصة حل الدولتين في فلسطين وغيرها من مفردات السلام .
اسرائيل عدو الاردن ، و اكبر خطر و مهدد لامنه و مصالحه الوطنية .. و كل المخاوف القديمة الناتجة عن فشل عملية السلام من مشروع الوطن البديل و تهويد القدس وتوجيه النار نحو الاردن و المس بالوصاية الاردنية في القدس ، واستحالة اقامة دولة فلسطينية ، فانها مطروحة على طاولة العدو الاسرائيلي ، ولن يتردد للحظة في تدويرها و تقاسم غنائم ازمة ما بعد حرب غزة .
ثمة ما يوجب وطنيا و براغماتيا اعادة التفكير رسميا في عناوين العلاقة الاردنية -الاسرائيلية ، وجدولة الاولويات الوطنية و اسقاط مفاعيل وادي عربة ، وتخفيف مستوى العلاقات و التمثيل الدبلوماسي ، وادخال العلاقة بين عمان وتل ابيب الى الفريزر ، وليكون ذلك بقرار اردني رسمي .