أ.د. عصام سليمان الموسى
حان الآن ونحن نواجه انتشارا متزايدا لفايروس الكورونا ان نتوقف ونسأل أنفسنا: لماذا لم تؤت نتائج ايجابية جميع الحملات الاعلامية المتلاحقة التي قامت بها الحكومة – والاعلاميين المتطوعين- منذ شهر آذار- اي قبل خمسة شهور- لمواجهة وباء الكورونا وما صاحب تلك الحملات من نداءأت قوية مؤثرة (appeals) أطلقها وزير الصحة ووزير الدولة لشؤون الاعلام؟ بل ان ما حصل عكس ذلك، فقد ازداد الوباء انتشارا – رغم حرص حكومتنا الأكيد على محاصرته.
إن الاجابة على هذا السؤال الكبير والخطير يمكن تلخيصها بعبارة مبسطة وهي: لقد اعتمدت الحملات الاعلامية التي قامت بها الحكومة في معظمها على مبدأ العقوبة (مثلا: من لا يلبس الكمامة يدفع غرامة مقدارها كذا..الخ.). والحقيقة العلمية ان مبدأ العقوبات مبدأ بال لا يصلح لزماننا.
في هذه العجالة سأتحدث عن ضرورة استخدام مداخل علمية أكثر حداثة ومعاصرة، وسأقترح تشكيل لجنة علمية لتوجيه الحملات القادمة.
وسأبدأ الحديث من مجال تخصصي: ففي أحد حقول الاتصال والاعلام، وهو حقل الاتصال الثقافي، Cultural Communication، تتحدث نظرياته عن عاملي الزمن والفضاء-أو المسافات- (space and time) في ثقافات الشعوب؛ فبالنسبة لعامل الزمن: يعرف الجميع ان دقة الوقت لا تعني كثيرا للشخص العربي، فأنت قد تتفق مع أحدهم ان تلقاه الساعة العاشرة لكنك تحضر للموعد العاشرة والنصف، وتعتذر لصديقك ويقبل عذرك، او لا تحضر مطلقا وتقول له حين تلتقي به ويعاتبك انك نسيت الموعد. طبعا تعتبر هذه الهفوات كبائر في المجتمعات المتقدمة.
أما بالنسبة للعامل الثاني: الفضاء (أو المسافة)، فالعرب عموما حينما يلتقون فانهم يقتربون من بعضهم حد الالتصاق بالصديق للتعبير عن مدى المحبة والشوق، وما يصاحب ذلك من تبادل القبل والعناق وضم للصدر والشد على اليد ووضع اليد على الكتف الخ. وهذه كلها ممارسات لا تتفق والوقاية من الكورونا. انت هنا مضطر، كاعلامي خبير بالحملات الاعلامية، الى مواجهة هذه العادة والتغلب عليها لتصبح رسالتك الاعلامية فاعلة.
أخيرا، وبرأيي المتواضع: ان جميع حملاتنا الاعلامية لم تلتفت لمثل هذا العامل النظري، وعوامل نظرية أخرى شبيهة به من تخصصات علم النفس والاجتماع، ولم تسعَ لتفعيلها تطبيقيا، ولهذا لم تلق جهودها النجاح المتوقع، وازدادت الاصابات بالكورونا، وقد تزداد أكثر.
وعليه: فان مواجهة وباء خطير كالكورونا بحاجة للجنة اتصالية مختصة تضم مختصين، بالاضافة للاتصال، من علوم الاجتماع والنفس، سبق لهم وقادوا حملات اعلامية او شاركوا بها، تشكل على غرار اللجنة الوطنية للاوبئة – تتولى توجيه وقيادة الحملات الاعلامية للمرحلة القادمة المتوقع لفايروس كورونا فيها انتشارا أكبر في الأردن – كما في العالم.