فارس الحباشنة
الراحل الملك الحسين صورته خالدة في ذاكرة ووجدان وخيال الاردنيين. وما دفعني للكتابة عن الملك الراحل ليس حلول الاحتفال بذكرى ميلاده الخالد، إنما دوافع كثيرة، ولربما ما سأسرده سيفضح الدافع والسبب الغريزي.
انا انتمي لجيل ولدنا والملك الراحل في عز نضوج الحكم وحيويته وشبابه، ورحل الملك الحسين، وكنت طالبا على مقعد الدراسة الجامعية.
الملك الراحل قاد الاْردن 46 عاما، وفِي عهده خاض الاردن صراعات كبرى محلية و إقليمية. الجيوسياسي الاردن، وعبقرية الجغرافيا ومحنتها جعلته في عين العاصفة عربيا واقليميا واسرائيليا، وذلك بفعل التداخل بالقضية الفلسطينية.
الملك الحسين اتقن ادارة الحكم ملكا ومحاربا وسياسيا، ودبلوماسيا وإنسانا. عرف كيف يمسك اوراق لعبة السياسة الاردنية بين عواصم القرار العربي والاقليمي والدولي.
وفاة الملك الحسين أبكت الرجال. واذكر انه عندما أعلنت وفاته لم يصدق الناس. هل الملك الحسين مات؟! وقد انقشعت الصدمة بكت الرجال ونزفت الدموع، ولأول مرة اذكر اني ارى دمعا يذرف من عيني ابي.
ما اصاب الاردنيين فاجع، فقد اب وراعي البيت وحامي الواسط. شعور جمعوي باليتم الوطني. رحيل مازال يوجع الذاكرة والوجد، رحيل مازال مغسولا بالوجع والقلق.
الملك الراحل رأيته مرتين، ومازالت صورها ترف امام عيني ومساكن ذاكرتي. والاولى عندما زار الكرك وكنت وقتها طالب مدرسة واختارت التربية مجموعة من الطلاب للقاء الملك في مقر المحافظة، صافحت الراحل، واستمعت لحديثه آنذاك اذكره كان عن القضية الفلسطينية، والقى خطابا شهيرا تحدث به عن مشاركة في الاردن في حرب حزيران، وقضايا اجتماعية وتنموية، وكانت الزيارة قد تلت أحداث 94 الاحتجاجية التي أدت لرحيل حكومة عبدالكريم الكباريتي. والمرة الثانية في بيت عزاء في الكرك.
كاريزما الملك الحسين طافحة وله حضور شخصي قوي، وانت تسمع بصوته ونبرته تحس بعظمة الخطاب وجلال اللغة. كلامه مقرون بحالة نفسية تجبرك على الانضباط والتروي و التمعن. وكنت وما زلت من الشغوفين بالاستماع لخطابات ولقاءات وحوارات الملك الراحل.
وفي حرب الخليج الاولى وزان الملك السياسة الاردنية متسلحا بجبهة داخلية صلبة. ومن بعد الحرب ونتجائها، أجاد الملك امساك ورقة السلام، ودخل الاردن في اشتباك بالورقة الفلسطينية.
الملك الحسين عايش اصعب الحقب العربية. عصر ما بعد الاستقلال والانقلابات العربية في مصر والعراق وسورية والجزائر. وفي 56 قرار تعريب قيادة الجيش، كان انقلابا تحرريا نحو استقلال كامل للاردن من الوصاية البريطانية.
وبعدها بدأ الاردن يقترب من المجال العربي، والغيت في 57، ووجهت ضربة الى كلوب وبقاياه واتباعه في الادارة الاردنية.
في الاردن الكثير من الانجاز والتطور والقيمة والإرث، و ما يمكن الالتفاف اليه واعادة انتاجه وصياغته ليكون رصيدا موازيا ورديفا للدولة في غمرة ما تواجهه من تحديات وصعاب بالداخل واقليميًا، وعربيًا.