أ. سعيد ذياب سليم
ليالي القمر
ليلة مقمرة بيضاء، ونسمة رقيقة، وهدوء يريح النفس، بعد نهار رمضاني حار، أحرق الأعصاب لهيبه، كأنّ الشمس دنت منّا أو أن الأرض ارتحلت باتجاهها، ما أجمل أنفاس الليل! وكأنها أنفاس الملائكة تخطر حولنا.
انتصف رمضان، أخذ يلم عباءته و يهم بالرحيل، ليدور حولا كاملا في رحلة الإياب، كانت ساعاته تدق مسرعة، لتدفع أيامه باتجاه المغيب، تعلمنا منه الصبر والاحتمال والتروي، ترويضا للجسد و النفس. لأن للحياة وجهان، سعادة وشقاء، نور وظلام، وفرة وشح، يسر وعسر، كان لا بد من الصيام لتكتمل الصورة، والذي حضّت عليه الديانات جميعا، بل أن من المخلوقات كالعناكب و الحلزون والبطريق من يمتنع عن الأكل و الشرب في صوم غريب، أثناء فترة البيات الشتوي أو فقس البيض.
الصوم من الطقوس الدينية التي مورست في الحضارات القديمة بشكل أو بآخر، ما بين النهرين ومصر والصين وغيرها، تمثل بالامتناع عن الأكل و الشرب و أحيانا الكلام ، فترات تطول أو تقصر، تنقية للروح واكتساب رضى الإله، وحديثا هناك من يمارس الصوم العلاجي بعيدا عن الدين، أو احتجاجا للدفاع عن قضيته، وهناك من الأمثلة الكثير.
ماذا ترك لنا رمضان من ذكريات و مشاهدات؟
تتوالى صور كثيرة، حركة السيارات والزحمة التي تملأ الشوارع قبيل الغروب، التفاف الأسرة حول المائدة في انتظار آذان المغرب الذي لا يتكرر إلا في رمضان، والسلبيات التي نراها من بعض المنتفعين من الشهر الكريم، فن التسول، جشع بعض التجار، والدجاج وحكايات أخرى.
تراهم ليلا نهارا يُنظمون السير ويفرضون النظام في شوارعنا، يكفي أن نرى دفتر المخالفات في يد أحد منهم لنلتزم بقانون السير، حتى يبتعد! من وقت لآخر ترى البعض يلاحقهم وفي يده مخالفة لاصطفاف خاطئ، يحاول دون جدوى أن يفوز باستثناء ، وعند المغيب يترجّل شرطي السير عن دراجته قرب الجزيرة الوسطية، يتناول افطاره ، يصلي ثم يعود ليكمل واجبه، أسوة بزملائه الذين يسهرون على أمن الوطن.
حلقات الذكر في المسجد وما يتخللها من أحاديث حول ما يجوز وما لا يجوز في أداء العبادات، والحد الأدنى من الصدقة. الأوقات التي ننسحب فيها من متابعة المسلسل الكوميدي إلى متابعة الأخبار، وما يحدث على مسرح الدمى من أحداث، من يمسك بالخيوط ومن يحركها، من يحمل عصا الساحر فيحوّل الصديق عدوا، ويخرج الأرنب من القبعة، نكاد لا نرى شيئا بسبب ما ينتشر في أجواء المنطقة العربية من عواصف رملية تخفي معالم الطريق، لتعلن عن صراع جديد.
رقّة النسمات وقت العصر تبشر بانحسار الموجة الحارة، اهتزاز الأغصان فرحا وتغريد الطير، واحمرار وجنة الغرب يُنبّأ باقتراب المغيب، وقت استجابة الدعاء، من يملك دعوة مستجابة فليرددها، اللهم إنا نسألك العفو و العافية والمعافاة في الدين و الدنيا و الآخرة. ليلة بيضاء سعيدة نحاور فيها القمر، يجذبنا إليه ونجذبه، ترى هل يُسرق القمر؟