د.حسام العتوم
ما كان للاتحاد السوفيتي أن يتشكل بتاريخ 30 ديسمبر 1922 من خمسة عشر جمهورية بقيادة روسيا الاتحادية والعاصمة (موسكو) لولا اندلاع الثورة البلشفية (اللينينية) عام 1917 في أتون القرن الماضي، وهي التي ارتكزت على أفكار (كارل ماركس وفريدريخ إنجلز) وكتابهما (رأس المال) وبيانهما الشيوعي (صراعات الطبقات ومشاكل الرأسمالية) في خمسينيات القرن التاسع عشر. وبالمناسبة فإن الاتحاد السوفيتي بني على أنقاض اتحاد الإمبراطورية القيصيرية- إن صح التعبير- وحكومته المؤقتة، وحوّل ديكتاتورية القياصرة إلى ديكتاورية الحزب الحاكم (الشيوعي) 69 عاماً، وما تم بناؤه هو الاشتراكية وسيادة الطبقة الواحدة، بينما الشيوعية ذاتها ومشروعها في الرقابة الذاتية، والوصول لمرحلة ضبط غرائز الناس وحاجاتهم، وإلغاء العملة الوطنية، ونظرية (الإلحاد) لم تحقق نجاحاً، وأصابها الفشل حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بالمرسوم رقم (H-142) الصادر بتاريخ 30 ديسمبر 1991 عن مجلس السوفييت الأعلى، بعد استقالة (مخيائيل غورباتشوف) من موقعه كآخر رئيس للاتحاد السوفيتي. وعاش السوفييت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي مجاعة واحدة شكلت سبباً هاماً في انهيار الاتحاد السوفيتي لاحقاً، ونقطة خلاف مع أوكرانيا بالذات.
ونجح السوفييت في المقابل، في رفع علمهم فوق الرايخ الألماني عام 1945، بعد انتصارهم الساحق على النازية الألمانية بقيادة (أودولف هتلر) نهاية الحرب العالمية الثانية، وتقديمهم 27 مليون شهيد في زمن (جوزبف ستالين) و(جيورجي جوكوف) قائد جيشه الأحمر، وهو العلم الذي خسروا حضوره فوق قصر الكرملين الرئاسي في موسكو، بعد انهيار اتحادهم الذي شكل جبروتاً وقوةً ضاربةً حتى عام 1991، وحتى بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من خندق المعركة بعد قصفها لليابان، وبعد سيطرة السوفييت على جزر الكوريل ذات الجذور اليابانية، والتي دخلت السيادة الروسية بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي ذاته. وشهد عام 1925 توقيع أول معاهدة دبلومسية بين السوفييت والمملكة العربية السعودية، تلاها توقيع معاهدة دبلوماسية مع الأردن عام 1963. ولم يحقق الدخول السوفيتي إلى أفغانستان عام 1979 نتائجاً ناجحةً كبيرةً في أتون الحرب الباردة وسعيرها الساخن لمواجهة المد الغربي الأمريكي وحلفهما العسكري (الناتو) في زمن كان فيه (ليونيد بريجينيف) زعيما للاتحاد السوفيتي، وخسائر ملاحظة في القوة العسكرية البشرية.
ولم يستمر حلف (وارسو) العسكري بالعمل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبقيت روسيا الاتحادية، وعموم دول السوفييت السابقة من دون حلف عسكري حتى الساعة، وتوجهت كل من جورجيا وأوكرانيا لبناء أحلاف مع المعسكر الغربي (الناتو) بعد انقلاب سياستيهما وتحولهما صوب الغرب، وإدارة الظهر بالكامل للسياسة الروسية الخارجية الشرقية.
وبالمناسبة، فإن الاتحاد السوفيتي الذي اعترف بإسرائيل أولا عام 1948، وإلى جانب مجموعة من دول العالم وعبر الأمم المتحدة، بهدف إعطاء حق لليهود في إقامة دولتهم على أرض فلسطين، وهو الأمر الذي أكده وزير خارجيتها قبل ذلك (أندريه قراميكو) عام 1947، كافأته إسرائيل بالتسريع بانهياره بالتعاون مع الصهيونية العالمية، وعبر مؤسسة (الأيباك) المتخصصة في العلاقات اليهودية الأمريكية منذ عام 1953، ومن خلال الإلتفاف على شخصية (غورباتشوف) صاحب نظرية (البريسترويكا والجلاسنوست) – أي الانفتاح والديمقراطية والاستقلالية – التي أودت بالاتحاد السوفيتي، ونقلت ترسانته النووية إلى داخل روسيا الاتحادية، مع بقاء دول التعاون المستقلة ( (CNGتشكل جبهة واحدة إلى جانب روسيا ماعدا أوكرانيا وجورجيا. وتمركز سبب التوجه الصهيوني لتفكيك الاتحاد السوفيتي، بسبب مواقفه اللاحقة الثابتة مع العرب، وتحديداً بوجه الاحتلال الإسرائيلي لأراضي العرب عام 1967، لدرجة توجيه إنذار لإسرائيل بالشروع بقطع العلاقات السوفيتية معها، عبر رسالة وجهها لهم وزير الخارجية آنذاك (أندريه قراميكو)، ولوقوف الاتحاد السوفيتي إلى جانب القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ومع تجميد الاستيطان اليهودي غير الشرعي فوق أراضي العرب، وإلى جانب حق العودة والتعويض، والوقوف بجانب تحرير الجولان – الهضبة العربية السورية المحتلة، وهو الذي كان فعلاً وبالسلاح الصاروخي الباليستي السوفيتي في حرب تشرين العربية عام 1973.
وبعيداً عن الخط الأيدولوجي الشيوعي والإلحادي السوفيتي، ورثت روسيا الاتحادية عن السوفييت نهج الوقوف إلى جانب العرب وقضاياهم المصيرية العادلة ذاتها. وبكل الأحوال والظروف، تبقى مرحلة روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر، وشخصية (جوزيف ستالين) السوفيتية قبيل منتصف أربعينيات القرن الماضي بالنسبة للداخل السوفيتي، وفي العمق الروسي وخاصة في منطقة القفقاس والقرم جدلية وسط مجموعة من القوميات العريقة التي تأثرت بقراراته السلبية القاسية والمؤذية، وفي مقدمتها (النفي) إلى سيبيريا في أتون الحرب العالمية الثانية (العظمى) رغم التفسيرات الخفية.
وفي المقابل، قدّم القفقاس الشهداء والأبطال في الحرب العظمى والتاريخ شاهد عيان. وعانى القفقاس من قرارات ستالين طويلاً على مدى 13 عاما وأكثر، ومعاناة غيرها في القفقاس منتصف تسعينيات القرن الماضي، خضعت لأسباب جدلية تراوحت بين الحفاظ على السيادة الروسية ومواجهة التطرف والتسبب في إيذاء البنية التحتية والبشرية هناك. وتحريك (نيكيتا خروتشوف) لشبه جزيرة (القرم) عام 1956 صوب أوكرانيا لأسباب اقتصادية ومائية، ومكوثه في العهدة الأوكرانية حتى عام 2014 (60) عاما، أحدث أزمة حقيقية بين البلدين الجارين روسيا العظمى وأوكرانيا وحتى الساعة، خاصة بعد إعادة روسيا الاتحادية للقرم وإلى عمق سيادتها عام 2014 بقوة صناديق اقتراع القرم نفسه، وبتصويت مجلس الدوما (النواب والأعيان) في موسكو عليه، ومصادقة قصر الكرملين الرئاسي عليه، في عهد رئيس روسيا الاتحادية (فلاديمير بوتين).
وتمكن السوفييت بعد حادثة قصف اليابان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام (1945)، وبعد سيطرتهم في الحرب العالمية الثانية على جزر (الكوريل) اليابانية ذات الوقت من صنع قنبلتهم النووية عام (1949)، لردع أي هجوم متوقع من قبل حلف (الناتو) العسكري الغربي بقيادة أمريكا، وحماية لأمن العالم.