د. صلاح العبّادي
استقرار لبنان وسيادته على أراضيه مسؤولية كبيرة وغاية في الأهميّة تقع على المجتمعين العربي والدولي؛ لتمكينه من استعادة قوته على كافة الصعد؛ لينعم بالأمن والاستقرار بعيداً عن الانتهاكات الإسرائيليّة، وتدخلات حزب الله التي القت بظلالها عليه.
الحفاظ على سيادة لبنان مسؤولية دولة فقط، لكنّها تتطلب دعماً وإسناداً من قبل المجتمع الدولي لتعزيز قوته عسكرياً واقتصادياً، بعيداً عن أي تدخلات مرتبطة بجهات خارجية. في وقت يتعين على المجتمع الدولي الوقوف ضد الخروقات والانتهاكات الإسرائيلية التي تستهدف الجنوب اللبناني، والزام إسرائيل على الانسحاب الكامل من كافة النقاط الخمس الاستراتيجية على طول الشريط الحدودي التي تتواجد فيها، بعدما انسحبت يوم أمس من المناطق الأخرى.
حزب الله، المدعوم من طهران، والذي تكبد خلال الأشهر الماضية نكسات عدة خلال مواجهته مع إسرائيل، كان أبرزها اغتيال أمينه العام السابق حسن نصرالله في نهاية شهر أيلول الماضي، يضاف إليه سقوط حليفه بشار الأسد في سوريا الدولة الجارة التي طالما سهلت نقل الأسلحة والعتاد إليه عبّر شريط حدودي يمتد بطول 375 كيلومتراً.
اكتسب وجود حزب الله بتصديه للقوات الإسرائيلية، خاصة بعد اجتياح بيروت عام 1982، الأمر الذي مكّنه من تعزيز نفوذه في لبنان.
تجفيف منابع الحزب ضرورة حتميّة لتعزيز أمن واستقرار لبنان الذي شهد اضطرابات سياسية مختلفة، جراء تدخلات إيران من خلال ذراعها في ترسيم المشهد السياسي؛ حيث تعود نشأة الحزب في لبنان إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي عندما خلّف الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في حزيران 1982 ظهور مجموعة من الشباب الذين ينتمون “لحركة أمل” تحت ذريعة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بالتعاون مع الجيش السوري؛ إذ كان لأتباع آية الله روح الله الخميني مؤسس “الجمهورية الإسلامية” وأول مرشد لها، الدور الأكبر في تشكيل حزب الله أوائل الثمانينيات لنشر إيديولوجيات الثورة الإيرانية، التي تنطلق من الفكر الشيعي، المتمثل في “ولاية الفقيه”، التي أرساها الخميني بعد انتصار الثورة في إيران في العام 1979.
استقرار وسيادة لبنان يتطلبان اليوم تكاتف الجهود العربية والدولية، للوقوف إلى جانبه، وتعزيز قوته العسكرية والاقتصادية، لتمكينه من الدفاع عن سيادة أراضيه، بكل وسائله المشروعة، لينعم شعبه بأمن وسلام، بعيداً عن ترويع آلة الحرب.
وهنا يدور التساؤل حول إذا ما وقع لبنان معاهدة دفاع مشترك مع دولة أو مجموعة من الدول لتكون بمثابة اتفاق دولي يلزم الأطراف الموقعة بالدفاع عن بعضهم البعض في الظروف التي تتطلبها الحاجة، وفي ظل استباحة إيران للمشهد السياسي في لبنان من خلال ذراعها، ولضمان عدم استمرارية الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي اللبنانيّة من جهة أخرى؟ فماذا سيكون دور إيران وأعوانها في المنطقة التي تشهد تجاذبات سياسيّة مختلفة؟
لبنان يحتاج اليوم إلى إعادة ترتيب علاقاته العربيّة والإقليميّة؛ وإقامة تحالفات تضمن له بسط قوة الدولة على الجميع، بما في ذلك حزب الله الذي انتقل من العمل كمجموعة مسلحة تقاتل ضد إسرائيل إلى حزب سياسي يشكل جزءاً من “توليفة” المشهد السياسي في لبنان، وينشط جناحه السياسي والعسكري داخلها ويشارك في الانتخابات اللبنانية.
كما أن لبنان يتعين عليها الانفتاح على سوريا لمعالجة الملفات العالقة بين البلدين، لا سيما ما يتعلق في ترسيم الحدود وضمان أمنها، وعودة النازحين السوريين وغيرها من قضايا.
يحتاج لبنان اليوم لتنفيذ استراتيجية دفاعية متكاملة تمكّن الدولة من مواجهة التحديات الأمنيّة، مع التأكيد على حقها في احتكار السلاح بيدها، وسحبه من الميليشيات الإيرانية، التي اربكت المشهد السياسي خلال السنوات الماضية، وفرض القبضة الأمنية، لضمان استقرار لبنان وسيادة القانون على الجميع؛ لتكون دولة عصيّة لمواجهة التهديدات الإسرائيليّة.
لبنان دولة تمتلك إمكانيات وقدرات كبيرة تمكنها من تجاوز أزماتها، بعد أن عانت من فراغ سياسي لمدة 26 شهراً، تغلغل خلالها حزب الله في الداخل اللبناني واستفرد بالقرارات وعزّز وجوده العسكري.
تنتظر الرئيس اللبناني والحكومة التي شكلها مؤخراً تحديات كبرى، أبرزها إعادة الإعمار بعد الحرب الأخيرة التي دمّرت أجزاء في جنوبه وشرقه وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وضمان تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على انسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلتها في الجنوب ويشمل الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في العام 2006 والذي من بنوده ابتعاد حزب الله عن الحدود، ونزع سلاح كل المجموعات المسلّحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.
كما أن هناك مسؤوليات كبيرة وتحديات تتطلب إجراء إصلاحات ملحّة للنهوض بالاقتصاد بعد أكثر من خمس سنوات من انهيار غير مسبوق، وهو ما يتطلب جهوداً عربيّة ودوليّة، للوقوف إلى جانب لبنان.
الإدارة الأميركية مطالبة اليوم بمنع الإنتهاكات الإسرائيليّة لجنوب لبنان من جهة، وتقديم الدعم والإسناد للدولة اللبنانية، وتمكينها من القيام بدورها لاتخاذ القرارات المناسبة، بعيداً عن إملاءات خارجية، من شأنها أنّ تقوض استقرار البلد الذي دفع وشعبه ثمن التدخلات الإيرانيّة من جهة والانتهاكات الإسرائيليّة من جهة أخرى.
الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في رسالة له قبل أيام حمّل الدولة اللبنانية مسؤولية الدفاع عن لبنان، في وقت قام الحزب بتحريك الشارع من خلال أنصاره الذين قاموا بقطع الطريق المؤدي إلى المطار مساء الخميس والجمعة الماضيين ونظموا اعتصاما السبت الماضي، احتجاجاً على قرار السلطات اللبنانية بمنع استقبال شركات طيران إيرانية في مطار بيروت الدولي، في محاولة من الحزب للاستقواء على الدولة بشكل جديد، وإيصال رسائل واضحة نحو العودة إلى الفوضى، وهو أمر يتطلب فرض سيادة القانون.
استقرار لبنان وعودتها إلى سابق عهدها ضرورة حتمية اليوم، لحمايتها وتعزيز قوتها العسكرية والاقتصادية، للحيلولة دون أن يتمكن حزب الله من إعادة إنتاج نفسه من جديد، لاجتثاث الوجود الإيراني، وضمان استمرار تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار والذي تشرف على تنفيذه لجنة دولية برئاسة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.
كما أنّ الوجود العسكري الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية ضمن النقاط الخمس يشكّل مراوغات إسرائيليّة، لا تخدم مصلحة لبنان ولا المنطقة برمتها، بل انتهاكا وخرقاً للاتفاق الذي تشرف عليه الإدارة الأميركية؛ حتى يتمكن الجيش اللبناني من الانتشار الكامل والتموضع فيها دون استثناء، وفرض حظر الأسلحة غير القانونية فيه.
الرأي