كمال زكارنة
اثناء المفاوضات التي استمرت عدة سنوات، بمشاركة الاردن وفلسطين واسرائيل والبنك الدولي والولايات المتحدة الامريكية،لتنفيذ المشروع الاقليمي ناقل البحرين ،الاحمر – الميت، الذي تسببت اسرائيل بالغائه، طرحت وبحثت العديد من الافكار والمقترحات عندما خاضت الاطراف المشاركة في التفاوض حول المشروع بالتفاصيل، وتوصلت الى توافق حول تنفيذ المرحلة الاولى من المشروع، الذي سينفذ على عدة مراحل كما كان مطروحا،وتنص المرحلة الاولى على انتاج 85 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يحصل عليها الاردن، فيما تؤمن اسرائيل للجانب الفلسطيني 28 مليون متر مكعب لمناطق الخليل وبيت لحم جنوب الضفة الغربية، وثمانية ملايين متر مكعب اخرى لقطاع غزة، وتشتري اسرائيل 20 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من المشروع بسعر الكلفة، ووافقت الدول المانحة في حينه على دفع 400 مليون دولار لتمويل المشروع، لكن اسرائيل فيما بعد نسفت المشروع والغته تماما لاسباب سياسية وتجارية سأذكرها لاحقا.
المهم في هذا الموضوع، ان الاردن لم يوقع سرا ولا علنا، على اتفاق لتزويد اسرائيل بمياه مشروع ناقل البحرين الاقليمي المشترك مع فلسطين واسرائيل، لأي سبب كان، والذي تم التوافق عليه، هو ان يتم مبادلة كميات معينة من مياه المشروع بين الاردن واسرائيل على النحو التالي، تقوم اسرائيل بشراء كميات من مياه المشروع بسعر كلفة التحلية للمتر المكعب الواحد، فيما يقوم الاردن بشراء كميات مماثلة من مياه طبريا، نفس الكميات التي تشتريها اسرائيل من المياه المحلاة التي ينتجها المشروع، بسعر مياه طبريا، والسعر سوف يكون مختلفا، لان المياه المحلاة اعلى سعرا من مياه بحيرة طبريا، وسبب هذا التوافق لوجستي ومالي، فبالنسبة للاردن المسافة بين طبريا ووادي الاردن قريبة والخط الناقل موجود ويعمل “خط دجانيا”، الذي ينقل حصة المياه الاردنية المخزنة في بحيرة طبريا للاراضي الاردنية، وبالنسبة للطرف الآخر فان نقل المياه المحلاة من العقبة الى ايلات سهل وسريع عبر خط ناقل.
القصة تبادل او مبادلة مياه هنا بمياه هناك، وكل مياه بسعرها المستحق،ولم يتنازل الاردن عن قطرة ماء واحدة، ولم يوقع على اي اتفاق لصالح الطرف الآخر ليستفيد منه لوحده.
يجب متابعة ما ينشره الاعلام الاسرائيلي، وما يكتبه الكتّاب الاسرائيليون بشأننا، لكن ليس بالضرورة ان نصدق ونأخذ بكل ما يصدر عنهم على انها مسلمات وحقائق، هم يطوعون كل شيء لصالحهم ولمصلحتهم، ويحاولون زراعة الشك بيننا وبأنفسنا وبدولنا، لذلك علينا ان نكون حذرين من اعلامهم وكتبهم وكتاباتهم، وان نحللها جيدا، وان لا نمنحها الثقة والمصداقية مجرد قراءتها.
الغت اسرائيل مشروع ناقل البحرين، لسببين، الاول سياسي، نتيجة لمواقف الاردن المشرفة من القضية الفلسطينية وتصدي جلالة الملك عبدالله الثاني لسياسات وممارسات الاحتلال في الاراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة القدس والمقدسات الاسلامية والمسيحية فيها، والثاني، اقتصادي، يهدف الى انشاء المشروع الاسرائيلي البديل وهو قناة البحرين الابيض المتوسط –الميت، لتحويل الملاحة والنقل البحري اليها، وضرب قناة السويس والتأثير على الاقتصاد المصري والسيطرة على الملاحة البحرية في المنطقة.
ما يجب ان نذكره للتاريخ وللحاضر، ان جلالة الملك عبدالله الثاني، اثناء مفاوضات مشروع ناقل البحرين الاقليمي، كان يوجه وزراء المياه والري جميعا والوفود الاردنية التي شاركت في تلك المفاوضات، بضرورة الحرص الشديد في الحفاظ على نصيب الفلسطينيين من هذا المشروع، وبالفعل استفاد الفلسطينيون من هذا المشروع الذي لم ينفذ، حيث حصلوا على 36 مليون متر مكعب من المياه التي التزمت اسرائيل بتزويدهم بها، واصرّ الاردن على البدء منذ التوافق على ذلك في حينه، بأن يحصل الفلسطينيون على هذه الكميات على الفور، وما تزال اسرائيل ملتزمة حتى اليوم بتزويدهم بها.