الدكتور محمد حسين المومني
يستعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمخاطبة العالم من خلال منبره الأهم الامم المتحدة. اللحظة تاريخية بكافة المقاييس؛ الزمان والمكان والموضوع والجمهور. عباس يقف بالموازاة ليقدم رؤية بديلة عن تلك التي قدمها رئيس الدولة الأعظم بالعالم الولايات المتحدة، نعم رئيس الشعب الفلسطيني المحتل وأرضه المستباحة يقف أمام العالم ليواجه سياسيا وفكريا وقانونيا رئيس الولايات المتحدة وفريقه للشرق الاوسط. هذا يرتب مسؤولية كبيرة بأن ما سيتم تقديمه يرقى لمستوى التحدي، واستثمار تلك الدقائق الممنوحة للشعب الفلسطيني لتقديم مرافعة العصر، مرافعة محكمة منطقية قانونية عادلة تستميل العالم وقواه المحبة للسلام وتعطي الانطباع الحضاري الصحيح والمستحق عن الشعب الفلسطيني.
الرئيس الفلسطيني يحمل إرثا ومواقف أكسبته مصداقية على المستوى الدولي، فهو من تبنى واختط منهج وطريق بناء الدولة تحت الاحتلال منذ أوسلو وما بعدها لتصبح الدولة الفلسطينية حقيقة غير قابلة للإلغاء، ودافع عباس عن النهج السياسي والدبلوماسي لإحقاق العدالة وتأسيس المشروع الوطني الفلسطيني، معلنا على رؤوس الأشهاد ان المقاومة المسلحة ليست الطريق الافضل ضمن معادلات التوازن العسكرية القائمة. تحمل الرئيس الفلسطيني كثيرا من النقد والتخوين أحيانا بسبب نهجه السياسي ولكنه استمر مدافعا عنه منسجما بذلك مع ذاته وقناعاته. التنسيق الامني والاستمرار والدفاع عن نهج المقاومة السلمي جعلت الرئيس عباس يحظى بكثير من الاحترام والقبول الدوليين وهذا أعطى انطباعا ايجابيا رائدا عن عموم الشعب الفلسطيني المتعلم المثقف المتنور والمحب للسلام.
الرئيس الفلسطيني يجب ان يخاطب العالم باختصار وبكلمة مكتوبة بإحكام، بلغة يفهمها ويقبلها المجتمع الدولي ويستطيع التعايش معها ودعمها، لغة ترسم مشهدا يقف فيه الفلسطينيون المحتلون من قبل إسرائيل باحثون عن العدالة مادين أيديهم للسلام وساعين إليه، ليسوا رافضين ولا عدميين ولكنهم يريدون العدالة، العدالة ليس كما يعرفونها هم بل كما يعرفها المجتمع الدولي وشرعيته. يجب ان يتضمن خطاب الرئيس الفلسطيني وخطته رسائل واضحة تخاطب ترامب وفريقه بتاريخ الصراع وانحيازهم لـ اللاعدالة واللامنطق، ورسائل للعالم وشرعيته وقوانينه وعن الفوضى التي ستعم إذا ما استمرت الدولة الاعظم بالقفز عن القوانين والشرعية التي هي جزء اساسي من تنظيم العلاقات الدولية. رسائل الرئيس يجب ان تتحدث مع العالم العربي والداخل الفلسطيني بلغة شجاعة وتاريخية تقول لهم الحقيقة وما يمكن وما لا يمكن وما هو الحد الادنى الذي دونه لن يقبل اي فلسطيني التوقيع. الرئيس عباس معني أيضا بمخاطبة الداخل الاسرائيلي كشركاء في السلام، معنيون ألا يجعلوا السياسيين يستبيحون سلامهم واحلامهم في الازدهار والعيش الآمن.
رصيد الرئيس الفلسطيني عدالة قضيته وقوة الحق، ففي ذلك قوة سياسية ومعنوية التاريخ يقول لنا إن لها ستكون الغلبة. يجب استثمار الخطاب القادم لإظهار ذلك.