د. عبير الرحباني
لاننا نعيش اليوم عصر التدفق المعلوماتي والرقمي الهائل.. نجد بان الاعلام يلعب دوراً هاماً في تأثيره على الاحداث التي يشهدها العالم كل يوم بل ومحركا لها.. وهذا يفرض على الوسائل الاعلامية بمختلف اشكالها ان تتعامل مع أي أزمة بحكمة وحرفية حتى يتم تجاوزها، فلربما تكون تلك الوسائل الملجأ الاول إن لم يكن الوحيد بالنسبة للمواطن خاصة الانسان البسيط الذي يسعى دائما للتعرف إلى الازمة التي يواجهها سواء محليا او اقليما او دوليا مهما كان نوعها وحجم تأثيرها وذلك من خلال الاعلام.
وفي الازمات ليس المهم (ما حدث) وانما الاكثر اهمية للناس (انه يحدث).. وبالتالي لا بد ان يدرك اعلامنا كيف يخاطب اهتمامات الناس، وكما يُقال: (المهم اهتمامات الناس وليس الحقائق)..
لذا فنحن اليوم وفي هذه المرحلة الحساسة والخطرة في آن واحد بحاجة الى الكثير.. وسأتحدث جانباً أو جانبين فقط من تلك الامور..
أولاً: نحن بحاجة الى تنظيم وتوحيد الخطاب الإعلامي.. ما بين وسائل الاعلام الرسمية الأردنية.. وما بين القنوات الخاصة الأردنية.. بما يقدم وينشر ويبث للمشاهد والمستمع والقارئ.. فعلى سبيل المثال:
دكتورة اخصائية علم الجراثيم والميكروبيولجي عبر احدى الفضائيات تنصح بالتريث في اعطاء لقاحي فايزر ومودرنا وتقول بان لديها تحفظاً على اللقاحين
وزير الاعلام دودين في مقابلة على فضائية اخرى قبل اسبوع تقريباً.. يتحدث بأننا تعاقدنا على كمية من مليوني جرعة من اللقاح الى المملكة وبانتظار قدومها
بعد ذلك تخرج شخصية عامة معروفة ولها وزنها وحجمها في الوطن تتحدث عبر إحدى القنوات الفضائية في مقابلة بان اللقاحات لن تكشف مخاطرها الا بعد سنة..
أما بالنسبة لخلية أزمة كورونا التي نكن لها كل الاحترام والتقدير.. فاتساءل! لماذا لا يكون هناك توحيد للخطاب الاعلامي الذي يصدر من خلية الازمة بخصوص القرارات المتعلقة بالحظر واللقاحات وكل ما يتعلق بازمة كورونا! فعلى سبيل المثال:
قبل يومين يصرح عضو لجنة الاوبئة لفضائية بأن قرار الحظر الشامل بات مطروحاً على الطاولة، وزير الاعلام دودين يصرح لاخرى بأن لجنة الأوبئة أوصت بحظر شامل لاسابيع
وزير الاعلام في مقابلة عبر ذات الفضائية وبعض الصحف اليومية يقول: الحظر الشامل غير وارد حتى الان
رئيس لجنة تقييم الوضع الوبائي يقول إن لجنة الاوبئة اجتمعت الاربعاء ولم توص بحظر شامل كلي
لا أدري هل هي ازمة اعلام ام ازمة خلية ام ازمة حكومة ام ازمة مواطن !!! ام نحن بتنا نشهد اليوم هذه الازمات جميعها؟
لماذا لا يكون هناك مسؤول واحد يتحدث عن قرارات الحظر او اي قرارات اخرى.. وهو معالي وزير الدولة لشؤون الاعلام – الناطق الرسمي باسم الحكومة فقط.. وذلك بالتنسيق بما تخرج به قرارات خلية الازمة!! وان يكون الخطاب موحد لجميع الوسائل الاعلامية الرسمية والخاصة بمختلف انواعها!!
ولماذا لا يكون هنالك مسؤول واحد فقط يتحدث عن اللقاحات!!.. حيث نجد ان عضو لجنة الاوبئة يتحدث.. كما ان رئيس لجنة الاوبئة يتحدث .. وخلية الازمة تتحدث .. والناطق الاعلامي باسم الحكومة يتحدث عنها.. وكل شخصية عامة اصبحت تتحدث عن اللقاحات حتى نشطاء مواقع التواصل الالكتروني تتحدث عن اللقاحات
أليس كل ما يجري يعتبر تشتتاً لاذهان المواطن ما يسبب له عدم التركيز وارباك والقلق واهتزاز بالثقة لديه!
أما الجانب الآخر .. فيما يتعلق بمواقع التواصل الالكتروني.. فمن المؤسف جداً ان نجد بان هنا اطباء يخرجون علينا عبر الفيسبوك يتحدثون بكل ثقة عن المطاعيم واللقاحات.. بخاصة الدارسين اختصاص صيدلة
وقد لفت انتباهي عبر الفيسبوك ان يخرج علينا بعض الدارسين اختصاص (صيدلة) ويتحدثون عن المطاعيم.. من ثم يبدأون الناس باستشارتهم من خلال التعليقات.. وبالتالي يقوم بعض هؤلاء الصيادلة ويقومون بارشاد الناس بماذا يتناولون من أدوية بعد اخذ الجرعة الاولى والجرعة الثانية.. وما هي نوعية الادوية الواجب تناولها.. غير مدركين بان كل جسم يختلف عن الاخر.. وبان الدواء الذي يناسب فلان ليس بالضرورة ان يتناسب مع الاخرين .. عدا عن تقديم النصائح لهم عبر صفحاتهم والتي ربما يتحملون مسؤوليات كبيرة تقع على عاتقهم اذا تسببوا بأي أعراض لاي مريض قاموا بتقديم الارشادات له عبر صفحاتهم.. كونهم ليسوا اطباء متخصصين بهذا الجانب.. فالدكتور الصيدلي وإن حمل هذا الاسم هذا لا يعني انه اصبح طبيباً مختصاً..
فما هذه المهازل التي نشهدها عبر الفيسبوك والتي تصدر من أشخاص ليس لهم الحق بان يتحدثوا بها كونهم ليسوا من اصحاب الاختصاص وليس بموقع المسؤولية !!.. اعتقد بانه من الضروري اليوم وضع حد لكل شخص يتحدث عن المطاعيم عبر الفيسبوك بغض النظر سواء بطريقة سلبية ام ايجابية.. فنحن في امس الحاجة اليوم الى عملية تنظيم لكل ما يجري من مهازل واستهتار عبر مواقع التواصل الالكتروني والى تفعيل قانون الجرائم الالكترونية لكل من يقوم بالتحدث عن المطاعيم وهو ليس من اصحاب الاختصاص.
وأعتقد ان المشهد اليوم بخاصة عبر الفيسبوك وبما ينشر عبر صفحات البعض عن اللقاحات وعن المطاعيم وبكل ما يتعلق بكورونا اصبح بهدف ان يجد هؤلاء بعد ذلك من يستضيفهم عبر وسائل الاعلام بهدف الشهرة ومن ثم السعي لايجاد مناصب لهم يتبوؤنها على حساب غياب الثقافة وجهل اغلب المواطنين
وما استغربته مؤخراً ان يخرج احدى المسؤولين امس ويقول بان لقاح كورونا قد يصبح اجبارياً اذا استمرت أرقام اصابات كورونا في الارتفاع.. فكيف يصرح بهذا التصريح ويناقض القانون الدولي الصحي الذي يتضمن بان لا يجوز فرض اي دواء او لقاح على اي انسان بالاجبار !! وكيف يقول هذا الكلام وهو يعلم بان القانون الدولي يطغى على اي قانون صحى محلي!!
نحن نعاني الكثير نعاني من تخبطات كثيرة ونتمنى اعادة النظر بها بأقصى سرعة ممكنة.. فالاعلام شريك اساسي في ادارة الازمات ايضاً .. كونه مرآة للمجتمع واصبح صانعاً للقرارات.. وآداة هامة من أدوات ادارة الازمات .. فالاعلام يعتبر القائد الموجه الذي يخوض الازمات والصراعات وهو الرئيس الذي يستطيع الناس من خلاله معرفة الحقائق.