
سلامة الدرعاوي
لا شك في أن منعة الاقتصاد الأردني تعكس قدرته على التكيف مع التحديات، لا سيما في ظل الأوضاع العالمية غير المستقرة، فبينما شهد عام 2024 اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق، من تفاقم التوترات الجيوسياسية إلى تقلبات السياسة النقدية والتضخم، تمكن الاقتصاد الأردني من الحفاظ على نمو مستدام، مسجلاً نسبة 2.4 % خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام، مع توقعات بأن يصل إلى 2.7 % في 2025.
أحد العوامل الجوهرية في هذه المنعة هو الاستقرار النقدي، المدعوم بسياسة نقدية مرنة ينتهجها البنك المركزي الأردني، فبفضل نظام سعر الصرف الثابت واستقلالية البنك المركزي، تمكن الأردن من الحفاظ على ثقة المستثمرين وضمان استقرار النظام المالي، وهو ما انعكس إيجاباً على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر التي بلغت 905.5 مليون دينار خلال الثلاثة أرباع الأولى من 2024.ورغم انخفاضها مقارنة بعام 2023 (1.13 مليار دينار)، إلا أن هذا التراجع لا يعكس ضعفاً في البيئة الاستثمارية، بل هو انعكاس طبيعي للظروف العالمية المتغيرة، والواقع أن رصيد الاستثمار الأجنبي في المملكة بلغ 39.2 مليار دينار بنهاية 2023، مما يؤكد جاذبية الاقتصاد الأردني للمستثمرين على المدى الطويل.القطاع الخارجي كان أيضاً إحدى الركائز التي عززت منعة الاقتصاد، حيث حققت الصادرات الوطنية نمواً بنسبة 3.8 % في 2024، لتصل قيمتها إلى 8.6 مليار دينار، رغم انخفاض الأسعار العالمية. مرونة القطاع الخاص ساهمت أيضاً في تجاوز تداعيات الأزمات اللوجستية، كأزمة مضيق باب المندب، عبر تنويع الشراكات التجارية وتعزيز خيارات الشحن، مما خفف من المخاطر على سلاسل التوريد والتجارة الخارجية. أما السياحة، فقد شكلت عاملاً رئيساً في دعم الاقتصاد، حيث ارتفع الدخل السياحي إلى 5.1 مليار دينار في 2024، مع توقعات بأن يصل إلى 5.4 مليار دينار في 2025، مدفوعاً بازدياد أعداد السياح الأردنيين المغتربين والعرب. كذلك، لعبت حوالات العاملين في الخارج دوراً مهماً، إذ نمت بنسبة 2.8 % في 2024 لتبلغ 2.6 مليار دينار، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع بنسبة 2.2 % في 2025. لكن ما يميز الاقتصاد الأردني هو تبنيه لإصلاحات اقتصادية هيكلية طويلة الأمد، كجزء من رؤية التحديث الاقتصادي(2023-2033)، فهذه الرؤية، التي تشمل إصلاحات سياسية وإدارية واقتصادية، تهدف إلى خلق بيئة استثمارية مستقرة، لا تتأثر بتغير الحكومات، بل تعمل وفق نهج استباقي يحمي الاقتصاد من الصدمات الخارجية. إضافةً إلى ذلك، لعبت العلاقات الاقتصادية الدولية دوراً محورياً في دعم الاقتصاد الأردني، فقد عززت اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة مع الاتحاد الأوروبي، التي تتضمن حزمة مساعدات مالية بقيمة 3 مليارات يورو للأعوام 2025-2027، من قدرة الاقتصاد على مواجهة التحديات.كما يجري التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل إضافي بقيمة تصل إلى 750 مليون دولار ضمن أداة تسهيل الصلابة والاستدامة (RSF)، وهو ما سيساهم في دعم الإصلاحات الاقتصادية والمالية.
في المجمل، فإن الأرقام والبيانات الاقتصادية تؤكد أن الاقتصاد الأردني يتمتع بمنعة حقيقية، مستندة إلى استقرار مالي ونقدي، وإصلاحات هيكلية، وقطاع خارجي قوي، وعلاقات اقتصادية متينة مع العالم. هذه العوامل مجتمعة تضع الاقتصاد الأردني في موقع قوي لمواجهة التحديات والاستمرار في تحقيق النمو المستدام خلال السنوات القادمة.