اسعد العزوني
من رفع النسور إلى رفع الملقي ..يا شعبي لا تحزن
قال تعالى في محكم كتابه العزيز:”كلما دخلت أمة لعنت أختها”،وكان من المفترض أن ينسينا عهد الملقي ما عانيناه من بؤس في عهد سلفه النسور ،الذي كتب لسلفه الطراونة ناصحا إياه بعدم رفع الأسعار:”لو كنت مكانك لروّحت على بيتي”،لكنه أي النسور وبعد أن سنحت له الفرصة وأصبح رئيسا للوزراء ،حملها بشراهة ونغّص على الشعب عيشته طيلة أربع سنوات من الرفع غير المدروس وغير مأمون النتائج ،لولا أن الله سلم وحفظ البلاد وألهم الصبر للعباد ،رغم بؤس الحال في الصحاري والجبال والوهاد.
عندما غادر النسور الدوار الرابع تنفس الأردنيون الصعداء ظنا منهم أن الغمة قد زالت ،وأنهم سيستمرون في شراء رغيف الخبز وتوفير الشاي للتغميس،بسبب سوء الواقع الإقتصادي ،وظلم ذوي القربى ونكران الجميل من قبل البعض الذين أداروا ظهورهم للأردن الذي كان يحميهم،وفرضوا عليه حصارا ماليا ،لتركيعه وإجباره على التنازل عن الوصاية الهاشمية على المقدسات العربية في القدس المحتلة ،وتحالفوا حتى العظم مع مستدمرة إسرائيل الخزرية الإرهابية النووية ،وها هم يشكلون وفدا من بعض رجالات المدينة المقدسة القابلين للرشوة لزيارتهم والتمجيد بدورهم في القدس ،نكاية بالأردن وقيادته ،وليثبتوا للصهاينة أن اوراق اللعبة بأيديهم ،وبالتالي فهم الجديرون الوحيدون بتنفيذ صفقة القرن أو صفعته لا فرق.
لم يترك النسور شاردة او واردة إلا ومارس عليها الرفع وكان شعاره أن الرفع قبل الدفع ،وهذه طريقة تعامل خطيرة ولها مغزى،وعندما جاء الملقي خلفا للنسور وتربع في الدوار الرابع ،أجبر الأردنيين على نسيان أو تناسي مآسي النسور ،ووصل بهم الأمر إلى الترحم مكرهين على أيام النسور ويرددون خفية “تنذكر وما تنعاد”.
لم يخطيء الأردنيون بذلك ولم يفقدوا البوصلة ،ولكن ممارسات الملقي وطرقه في الرفع هي التي أجبرتهم على الترحم على أيام النسور رغم قساوتها ومرارة طعمها ،فقد مارس النسور القسوة مع العناد وصوّر نفسه أنه فرعون عصره وانه الآمر الناهي ،وسيناله الخلود في الدوار الرابع ،ولكن ..”لو دامت لغيرك ما إتصلت إليك”.
ليت رئيس الوزراء الحالي د.هاني الملقي يتعظ ويعتبر ،ويخرج من الدوار الرابع بريحة طيبة وأن يذكره الناس بالخير ،فالبلد صغير وذاكرة الفقر حادة ،وكان بإمكانه وهو الرجل الرابع في الدولة أن يمارس دوره كرئيس وزراء يحظى بالدعم الملكي ،ويشمر عن ساعديه ويعلن الحرب الحقيقية مستخدما الذخيرة الحية ضد الفساد والفاسدين ،ويكون بذلك قد ضرب سربا من العصافير بحجر واحد.
لو فعل الملقي ذلك لنال الخلود عند الأردنيين ،ولسجل إسمه في قائمة النجباء المبدعين الذين يبتكون حلولا غير مؤذية للشعب ،ولأنقذ البلد من مصير محتوم نتمنى ألا نصل إليه بسبب سوء الأوضاع الإقتصادية ،ولأثبت ل”الأعدقاء “أن رجالات الأردن قادرون على التصرف بحكمة لتغيير الواقع السيء إلى واقع منير.
إعلان الحرب الحقيقية على الفاسدين وتفعيل قانون من أين لك هذا ،كفيل بإخراج الأردن من ازمته ،فهي “تؤذي” بضع عشرات من الرؤوس،وهذه مقدور عليها ،لكن ما تقوم به حكومة الملقي يؤذي الشعب الأردني برمته ،وقد مثل ضربة قاتلة على مؤخرة الرأس ،فما أصعب الإقتراب من رغيف الخبز والإعتداء عليه .والعمل رسميا على حرمان المواطن الجائع منه ،وهناك من “يتبغددون”بأموال الشعب المنهوبة ،دون أن يجدوا من يحاسبهم ويسترد أموالنا المنهوبة منهم ،وتحويلها من بنوك الخارج إلى البنوك المحلية ،لأن جحا أولى بلحم ثوره.
تستطيع حكومة الملقي بدلا من رفع سعر قلم الرصاص وتحرم طلبة المدارس من الكتابة ،أن تفتح ملف التهرب الضريبي وتعيد النظر في قانون الضريبة ،وتحمّر عينها لتحصيل الضرائب من الأغنياء أصحاب البنوك والشركات الكبرى ،وتكون بذلك قد حصلت على الذهب بعينه بدلا من البحث عن قلم الرصاص.
وهناك حلول اخرى تستطيع حكومة الملقي النجاة بنفسها في حال الإنغماس فيها جديا ونزع برقع الخوف او الخجل ،كأن تعلن عن البدء الرسمي والجاد في إستخراج النفط والغاز وبقية الثروات الباطنية التي يزخر بها باطن الأرض الأردنية ،ليتحول الأردن من مدين يعيش على الصدقات والمنّية ،إلى دائن ومانح ،فاليد العليا خير من اليد السفلى .
بقي القول أن رعاية الفساد ليست من الحكم الرشيد في شيء ،وأن العناد ليس الوسيلة الصحيحة لبناء الدول ،فالدول تبنى بالنزاهة والشفافية والحكم الرشيد ،وتطبيق قانون من أين لك هذا ،و”خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها”،ومن لا يستطيع اللعب وفق هذه القوانين فبيته أولى به ،فقد بلغ السيل الزبى،وكفى إمتحانا لهذا الشعب الطيبا لذي يستحق الجوائز لإخراجه الأردن سالما معافى من نار ما يطلقون عليه “الربيع العربي”،الذي إختطف وتحول إلى نار ودم ودمار في العديد من البلدان التي لم يحسن لا شعبها ولا قيادتها التعامل مع الواقع.