الدكتور محمد القرعان
لم يكن الجدل الذي سيثيره الوقوع في مثل هذا النوع من الخطأ غير المقصود للاعلامية ساندي الحباشنة بالامر الجلل، لكن ليس هذا (مربط الفرس)، فالامر خرج من نطاق الإشارة إلى الخطأ الى دائرة التشكيك والتجريح غير المبرر، وتغليف هذا الخطأ بسوء نوايا غير معلنة، وهو من أشر الاشياء التي يمكن أن تستغل لتمرير اجندات أو توجيه الاتهامات وقذف مشروع اعلامي وطني، بأبخس العبارات واستثماره جلدا للذات، وهذا الأمر هو ما يقلق الملف الاعلامي الاردني برمته، ويهدد صورته ومسيرته الوطنية المشرقة، لأنها مسيرة تؤمن بحقّ المشاهد والمتلقي في المعرفة والحقيقة، وبعيدا عن تصفيات الحسابات والتصيد “بالماء العكر”، فكل ما يشغل الإعلام الجاد والدقيق، هو احتمال الوقوع في الخطأ أو عرض مادة صحفية غير صحيحة للمشاهد، وعلى الرغم من أنّ المشاهد لا يستطيع ببعض الحالات التفريق بينها وبين الحقيقة، فقد استطاعت العديد من القنوات والصحف تمرير ما تراه مناسبا وبما يخدم اجنداتها للمتلقي، لا سيما في الأحداث التي شهدتها الأمة العربية برمتها ولغاية اللحظة .
وعودة للوراء قليلا وفي يوم صعب على الاردنيين والوطن تداعت عليه حفنة من المارقين الارهابين يستهدفون امنه، بزغت الكركية النشمية “ساندي الحباشنة” لتنسج بكلمات عفوية مشاعر الاردنيين، وتوحد احساسهم المثقل بالحزن والمحمل بالقلق، وهم يترقبون في ادق اللحظات وأصعبها ما ستؤول اليه الأحداث الدائرة هناك في “قلعة الكرك”؛ فقالت، مختتمة نشرة أخبار على التلفزيون الاردني وهي تصف حال أم العسكر وهي تودع ابنها:
“نسجت له من اهداب العين شماغا، في كل مرة تقبّل بدلته العسكرية، كانت تُقبِّل الفوتيك وتهمس عشت لمجد هذه الارض يا ولدي، في ذلك اليوم عانق الرصاص قبلات أُمّه وهتف وعاشت للمدى بلدي”.
واختتمت ساندي عباراتها الاكثر من رائعة “أموت اموت ويحيى الاردن” نعم فقد رددت ساندي كلماتها ببراءة وعفوية ملهمة، وكتمت دموعها خلف الكاميرا والمايكروفون، لا فض فوك ايتها النشمية الأبية،
وهكذا اصبح لها معجبون، وإصبحت محط إعجاب الناس في الاردن وخارجه، وأضحت من العلامات الفارقة من بين المذيعين، ويتساءلون : من تكون هذه المذيعة التي “خرجت على النَّصّ”، وهنا نقول لهم هي ساندي الحباشنة وهي ذاتها التي خانها التعبير في وصف جيش النظام السوري بجيش الاحتلال من غير قصد، وقد تحلت بالشجاعة والمهنية الإعلامية، بالاعتذار كما هو حال قناة المملكة والتصحيح، وهو من المعايير الأساسية أن تتحلى الصحفية أو المذيع أو حتى القناة بالتراجع عن الخطأ، وتصحيح العبارة، ولكن القضية باعتقادي حملت وللاسف اكثر مما تستحق، فهناك مئات الأخطاء التي يقع لها الصحفيون والمذيعون على نشرات الأخبار منها بقصد والآخر بغير قصد، وعلم ومعرفة بالمفردات والمعاني، وكل منا معرض لمثل هذه الهفوات والسقطات، وبالتالي بالتعديل والتنويه، تسير الأمور بالإتجاه الصحيح وبمسارها المهني والأخلاقي المسؤول، وحتى المجلات المتخصصة في الأدب والمباحث اللغوية والعلمية والأكاديمية والمقالات الصحفية، لا تسلم أو لا تكاد تخلو من هذه الأخطاء والسقطات، وبعضها رسَّخت، حتى أصبحت لشُهرتها كأنها الصواب الذي لا يُناقش ولا يعدل، وقد بلغَت هذه الأخطاء والنزوات والسقطات من الكثرة والغزارة حدًّا كبيرا، في مستوى لم تعد تشدُّ النظر وتجلب الإنتباه، وكأنها هي الأصل، أما الصواب فهو الاستِثناء، والخطأ في اللغة ليس مجرَّد خطأ في بنية الكلمة وضبطها الإعرابي وتنوينها؛ فهو سواء أكان داخل وسائل الإعلام، أو خارجها، ويختلف عن الخطأ في وصف الحدث والقصد والمغزى، بالنهاية ينبغي أن لا نحمل الأمر فوق طاقته، ويستغل من قبل البعض لتمرير اجندات، وتوظيفه بطرق غير أخلاقية لتحقيق مكاسب أو النيل من مكانة قناة المملكة، وبالنهاية هي مذيعة أردنية، والقناة هي قناة أردنية أثبتت حضورها وقوتها ومهنيتها ودورها الوطني بامتياز الى جانب المؤسسات الإعلامية الرسمية (وكالة الأنباء الأردنية ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون) والمؤسسات الصحفية والمواقع الإخبارية الوطنية المختلفة.