عمران السكران
في جلسة مجلس النواب الأخيرة خلال مناقشة مشروع قانون صندوق التكافل للحد من المخاطر الزراعية لسنة 2024، كشف وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات أن نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء في الأردن تبلغ 45%، مما يعني أن المملكة تستورد 55% من احتياجاتها.
على الرغم من تحقيق نسب مقبولة، إلا أنها تعتبر فجوة كبيرة في تأمين الاكتفاء الذاتي من اللحوم، وبداية الطريق نحو تغييرات جوهرية في مسار الاستقلالية الغذائية، بما يعزز من أمننا الغذائي.
عند الحديث عن الاكتفاء الذاتي، لا يمكننا إغفال أهمية القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي من اللحوم، يجب أن نتذكر إمكانيات الأردن الزراعية التي لم تُستغل بالشكل الأمثل، فالأراضي الزراعية في الأردن واسعة، ولديها القدرة على إنتاج كميات كبيرة من المحاصيل التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تحسين مستوى الاكتفاء الذاتي، ليس فقط في اللحوم، بل أيضًا في المنتجات الزراعية الأخرى.
للأسف، لا يزال العديد من هذه الأراضي يعاني من نقص في الاستثمار في تقنيات الزراعة الحديثة، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الإنتاج المحلي، لكن الخبر السار أن الحلول لا تتطلب بالضرورة استثمارات ضخمة أو تقنيات معقدة،
بل يمكننا الاعتماد على تقنيات زراعية بسيطة وفعّالة، مثل تحسين أساليب الري، وزيادة زراعة المحاصيل المقاومة للجفاف، وتبني أساليب الزراعة المستدامة مثل الزراعة العضوية أو الزراعة المائية (الهيدروبونيك)، هذه التقنيات يمكن أن ترفع الإنتاج المحلي من الخضراوات والفواكه بشكل كبير، مما يسهم في تقليص حجم الاستيراد.
لكن ما يميز هذه الخطوات هو ارتباطها الوثيق بالأمن الغذائي، الذي يُعتبر أحد أهم أولويات الدول في ظل التقلبات الاقتصادية والأزمات العالمية المتزايدة، وإن تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الزراعية يساهم بشكل كبير في تأمين الاحتياجات الغذائية المحلية وتقليل الاعتماد على الأسواق العالمية التي قد تكون عرضة للاضطرابات، ومن خلال زيادة إنتاجنا المحلي من المواد الغذائية، يمكننا تحسين قدرة البلاد على مواجهة التحديات المستقبلية، مثل تغير المناخ أو الأزمات الاقتصادية العالمية، أو حتى الأزمات السياسية.
تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي يتطلب إرادة سياسية حقيقية، فالفرص المتاحة من خلال الأراضي الزراعية التي تمتاز بها المملكة ليست فقط لتحسين الاكتفاء الذاتي من المنتجات
الأسواق المجاورة، ويمكن أن يصبح الأردن مركزًا مهمًا لتصدير المنتجات الزراعية، بما في ذلك الخضراوات والفواكه، بل وأيضًا المنتجات الحيوانية مثل الألبان واللحوم، إذا تم استغلال هذه الأراضي بالشكل الأمثل.
لكن التحدي الأكبر يكمن في ضرورة توفير الدعم الحكومي للمزارعين من خلال التوسع في تقديم قروض ميسرة، والتوسع أيضا في توفير التدريب على تقنيات الزراعة الحديثة، وتقديم حوافز لتشجيعهم على التحول إلى أساليب أكثر كفاءة، هذه الخطوات يمكن أن تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الإنتاج المحلي، سواء لتلبية احتياجات السوق المحلية أو للتصدير.
فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الأردن ليس بعيد المنال، إذا تم تبني سياسات واضحة وفعّالة لتحسين الإنتاج الزراعي والحيواني. ومع وجود مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية غير المستغلة بالشكل المطلوب، فإنه من
الصروري استتمار هده الموارد باستحدام
تقنيات مدروسة وبسيطة لزيادة الإنتاج محليًا، بما يتماشى مع رؤية الأردن لتحقيق الاستقلالية الغذائية وتعزيز الأمن الغذائي، وبالتالي تحسين مكانته على الصعيدين المحلي والدولي.
وإذا كانت الحكومة جادة في تحقيق هذا الهدف، فإن الوقت قد حان للتخطيط بشكل أكثر استراتيجية، وربما الاعتماد على أساليب مبتكرة تضمن استدامة الإنتاج المحلي دون الحاجة إلى الاعتماد على الاستيراد بشكل دائم.
لكن ما يثير التساؤلات هو مدى جدية الخطط في مواجهة التحديات الطويلة الأمد، إن الاستثمار في تحسين المراعي يتطلب تخصيص موارد حقيقية، كما أن تعزيز القطاع الزراعي يتطلب مزيدًا من الدعم للمزارعين والمربين من خلال حوافز تكنولوجية ومالية.