عريب هاني المومني
قررت الحكومة مؤخراً القيام بنشر أسماء مخالفي الحجر المنزلي، إلا أن هذا الإجراء ينطوي على مخالفة صارخة للتشريعات الوطنية والمواثيق الدولية والبروتوكولات الصحية المعتمدة عالمياً.
فقد كفل الدستور الأردني في المادة (7) منه الحرية الشخصية، واعتبر كل اعتداء على حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون. بالإضافة إلى أن المادة (10) أكّدت على حرمة المنازل وعدم جواز دخولها إلا بالأحوال والكيفية المنصوص عليها بالقانون، وقد ألزم القانون بهذا الشأن ضرورة الحصول على إذن قضائي مسبق لغايات الدخول للمنازل وتفتيشها، وهو ما تنقصه الإجراءات المعمول بها حالياً لضبط مخالفي الحجر المنزلي.
كما أن الدستور الطبي وواجبات الطبيب وآداب المهنة لسنة (1989) قد أكّد على أن مهنة الطب مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية، وأوجب على الأطباء ضرورة احترام خصوصية المرضى والالتزام بالحفاظ على “سر المهنة” وعدم إفشائها إلا في الأحوال والشروط المبينة في القانون. وفي هذا الصدد أجازت المادة (24/ح) من الدستور الطبي إفشاء سر المهنة لأغراض علمية وللبحوث الطبية دون ذكر الأسماء والصور المعرّفة. وقد أوجب قانون المسؤولية الطبية والصحية في العديد من أحكامه على مقدم الخدمة الالتزام بالقواعد والإجراءات والمعايير، وكذلك الالتزام بأخلاقيات المهنة وعدم إفشاء الأسرار كلٌّ حسب مجاله واختصاصه.
بالإضافة إلى أن الميثاق الوطني الأردني لحقوق المريض قد تضمن في محاوره الرئيسية فيما يتعلق بحقوق المريض التأكيد على الحق في السرية والخصوصية. والسرية تعني حق المريض في الحفاظ على كافة المعلومات المتعلقة بمرضه ومراحل علاجه، أما الخصوصية فتعني حق المريض في المعاينة والحصول على كافة الإجراءات العلاجية في أماكن مناسبة بعيداً عن الناظرين والفضوليين وفي إطار الأخلاقيات المهنية.
أما فيما يتعلق بالمواثيق الدولية فقد نصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام (1966) -الذي التزم به الأردن- في المادة (17) منه على عدم جواز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخل في خصوصياته ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. وهو ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أيضاً في المادة (12) منه، والمادة (3) التي نصت على حق الفرد في الحياة والحرية والأمان على شخصه.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الشخص غير الملتزم بالحجر المنزلي يعتبر مخالفاً لأوامر الدفاع، ويتوجب على الحكّام الإداريين ضبطه وإحالته إلى المستشفيات لاستكمال مدة الحجر الصحي، وبعد انتهاء مدة الحجر الصحي في المستشفى يتم إحالته إلى القضاء، وذلك استناداً لأحكام أمر الدفاع رقم (8) لسنة (2020) والذي تضمّن إيقاع عقوبة الحبس حتى ثلاث سنوات أو غرامة مقدارها ثلاثة آلاف دينار أو كلتا هاتين العقوبتين على المخالفين.
وبالتالي، فإن أمر الدفاع المذكور أعلاه لم يتضمن عقوبة بنشر أسماء المخالفين عن طريق وسائل الإعلام، وهو بذلك يخالف أحد المبادئ المستقرة في الفقه والقانون ألا وهو مبدأ شرعية العقوبة والجزاء، وهو ما نص عليه قانون العقوبات الأردني في المادة (3) منه حيث أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.
ولا شك في ان مخالفة أمر الدفاع وتعليمات الحجر المنزلي يستوجب العقوبة، لما يتضمن من مخالفة للقوانين والتعليمات المعمول بها، ولما ينطوي عليه من تعريض حياة المواطنين -والمجتمع بأكمله- وأمنهم واستقرارهم للخطر ويساهم في انتشارالوباء بشكل كبير، فمن أهم واجبات المريض الالتزام بالتعليمات المعطاة له من قبل الأطباء وذوي الاختصاص، إلا أنه من الواجب على الحكومة أن تقوم بإيجاد وسائل قانونية لضبط المخالفين وإيقاع أشد العقوبات عليهم، وفي حال تم تكييف هذا الفعل كجريمة مكتملة الأركان وتستوجب العقاب يجب اتباع الإجراءات القانونية في ذلك والحفاظ على خصوصية المرضى.
ويجب التنويه إلى أن جلالة الملك قد وجّه الحكومة بأن يكون تطبيق قانون الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه، في أضيق نطاق ممكن، وبما لا يمس حقوق الأردنيين السياسية والمدنية التي كفلها الدستور، وفي إطار القوانين العادية النافذة، وقد ورد ذلك في الإرادة الملكية السامية التي صدرت لغايات تفعيل العمل بقانون الدفاع.