ابراهيم العجلوني
نصيحة الإمام
بقلم :ابراهيم العجلوني
لله در الامام عليّ كرم الله وجهه يوم كتب الى معاوية بن أبي سفيان قائلاً: فكيف أنت اذا انكشف عنك جلابيب ما انت فيه من دنيا قد تبهّجت بزينتها, وخدعت بلذتها, دعتك فأجبتها, وقادتك فأتبعتها, وامرتك فأطعتها, وإنه ليوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك من منج, فأقعس عن هذا الامر, وخذ أهبة الحساب, وشمّره لما قد نزل بك, فإنك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه, وبلغ فيك أمله, وجرى منك مجرى الروح والدم.
واذا كان يمكن القول عن الوقائع التاريخية التي يتنزّل هذا الكلام البليغ بين ظهرانيها: «تلك أمة قد خلت, لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يفعلون». فإن مما يمكن قوله أيضاً إن هذه «النصيحة» جديرة بأن تكون كتاباً مفتوحاً الى كل ناظر, في الارض, الى عطفيه زهواً, والى كل من يتسنّم مسؤولية في الناس, والى كل من يرى أنه ممكّن في مصايرهم. ذلك أن ما يتقلّب به البشر الفانون ليس آخر المطاف من حيواتهم وأن هذه الحياة التي يضطربون فيها ليست هي غاية وجودهم, إذ المشهد ممتد وراء ما هم فيه, وأبعد مما يدركون. وقد قال أبو العلاء المعريّ في «سقط الزند»:
خلق الناس للبقاء فضلّت
أمة يحسبونهم للنفاد
انما ينقلون من دار أعمال
الى دار شقوة أو رشاد
وكم في قول أبي العلاء «ينقلون» بالبناء للمجهول من دلالة على أن هذه «النقلة» لا تكون بارادة وخيار, بل سنن الهيّة قاهرة, وآجال مكتوبة, وأعمال مرصودة محسوبة, فليرعو, إذن, من الى هذا يصيرون, وليحاسبوا أنفسهم قبل أن يُحاسبوا, قبل أن يأتي يوم تجادل فيه كل نفس عن نفسها, ولا يظلم ربك أحداً.
لقد تمثل صاحب كتاب «الطراز» يحيى بن حمزة العلوي, بما أوردناه مطلع الكلام من اقوال الامام, في سياق حديثه عن لطف الاستعارة وجمال العبارة. إلا أنه مما يمكن التمثّل به اليوم وفي كل حين على ارباب السياسات واصحاب الولايات, بل هو في هؤلاء أجدى وأبعد اثراً.
ولعل هذه الوقفة مع الخليفة الراشد الذي تخرّج في المدرسة المحمدية ان تلفتنا الى حقيقة ان هذه المدرسة ما تزال – ما بقي كتاب الله وسنّة رسوله بين ظهرانينا – باقية, تنشر النور وتدفع في وجه الديجور, وتدعو الناس, صغيرهم وكبيرهم, الى ما يحييهم من مكارم الاخلاق. وتنبّه غافلهم, ولا سيما المترفين الفاسدين الممكّنين, الى سوء ما يتقلّبون به, وسوء ما إليه ينقلبون.
الرأي