الدكتور محمد القرعان
كثيرون من الذين يعيشون في واقع كالذي نعيش اليوم يرون أن حاجة المجتمع اليوم هي بالدرجة الأولى الى معيشية كريمة، وتكاد تتطور هذه القناعة إلى وجودية كاستمرارية وكينونة، ولا شك أنهم على حق ، لكن فإن معرفة الأسباب تعتبر نصف العلاج ؛ فقد غابت لزمن عن أغلب مؤسساتنا مسألة المراجعة النقدية البناءة كضرورة وكهدف وغاية حتمية، خصوصا في ميادين التنمية بفروعها المختلفة ؛ولعل افتقادنا لمنهجيات مجدية ومؤسسية وما فرضته الظروف جيوساسية اقليمية ودولية،اوصلتنا الى هذه النتيجة.
ولعل من أهم أسباب تعثّر التنمية وتراجعها غياب العمل الحزبي الحقيقي والبعد عن ميدان العمل السياسي الوطني ؛ فنمت إشكاليات التنمية السياسية، وفي ميادين الحزبية ، التي نشأت وتطوّرت في فضاء شخصي وغير برامجي؛ فعانى المجتمع والدولة من تلك الظواهر التقليدية، كما عانت الحياة الحزبية من الانقسام الذي تصاعدت حدّته.
وفي هذا الميدان الحزبي المضطرب الذي فقد الكثير من أدواته ؛ فكان أسسر لتفسير أسباب التراجع وأثره في تصدّع بنية الأحزاب والمجتمع السياسي ؛ نعم لقد أفلحت احزابنا في الماضي كحركات وطنية عربية إلى حد كبير في تفكيك الهجمة الاستعمارية : العثمانية والأوروبية الغربية، ، ذاك القرن الذي لم يئن فيه احد، هذا لا يعني أن الوعي غائب اليوم في الشارع الاردني، لا في المجتمع ولا في الأحزاب، لكن الظاهرة الحزبية اليوم أقل تألقاً وحضوراً وفعلاً، وهذا واضح وأسبابه معروفة ، ويكاد الكثير من الاحزاب تحت التاسيس التي تجهد بكوادرها، وببنيتها التنظيمية والفكرية لتلافي مخاطر التشظّي الحزبي، والانقسام الاجتماعي المؤلم في الحياة الوطنية.
كثيرون منّا يؤلمهم الحديث عن الحياة الحزبية في الماضي القريب، وعن بروز هويات فرعية ، ويتمنون أن يفرّوا من وجه الحديث عنه، والبحث في ضرورة التصدي له، مقابل وضوح خطره على بنية الأحزاب، والمجتمعات والأوطان والأمة؛ فالحل احزاب برامجية متنوعة لكن مشربها اردني ومشروعها : سياسيا – اقتصادياً – فكرياً – جغرافياً –تعليميا – الخ يؤدي إلى النهوض سياسياً وحزبياً بالدولة ، وهذا ما يعزز قيمة الوعي الوطني في إيديولوجيا هذه الأحزاب لتصبح أحزاباً برلمانية انتخابية.
في هذا السياق نجد اليوم تطويراً ، ومن المهم قراءة جديدة تنتقل الى بيان حاجة أي حزب إلى تفحّص معايير وجوده وقدراته ، وضرورة مراجعة بنيته التنظيمية ووحدته الفكرية ومعرفة مدى تأثر كوادره ومؤسساته وبرامجه وقدرته على تحقيق برنامج حزب ينعكس ايجابا على المجتمع والدولة معا. ذلك لأن الأحزاب السياسية اليوم في مجتمعاتنا هي من أكثر المؤسسات عرضة لاهتزاز الثقة، وللنقد والتشكيك أيضاً، ما يتطلب إضفاء الطابع الاحترافي بصبغته الوطنية الصافية على العمل الحزبي بالدرجة الأولى ؛ ففي ظروف كالتي نعيش، تلفها حالة نكوص غير معهودة ، وفي هكذا ظروف يجب إعلاء صروح (الوطنية) في أي ميدان، لتغدو معيار المؤسساتية الحزبية والمجتمعيّة، التنفيذية والتشريعية ، والقومية والعالمية… إلخ
في هذه الظروف لا يوجد في مجتمعنا حامل لوحدته وضامن لها أعرق وأكثر تأهيلاً وقبولاً من حزب يستطيع اعلاء المصالح العليا للدولة الاردنية وفي تأصيل مفاهيم : ( الوطنية والمواطنة ) كنظام حقوق وواجبات، فإني اعني، في الوقت ذاته، حقوق المواطن وواجباته في الدولة ، وواجباتها للمواطنين؛ فحقوق المواطنين هي واجبات على الدولة، وحقوق الدولة هي واجبات على المواطنين.