أ.د. خلف الطاهات
بعد مرور ست سنوات على إطلاقها، تظل “قناة المملكة ” مصدرًا أساسيًا للأخبار والبرامج التي تهم الجمهور الأردني والعربي على حد سواء. والقناة بحكم قربها من دوائر صنع القرار لا يمر ما تبثه على شاشتها او موقعها او منصاتها الافتراضية مرور الكرام. ويُعتبر تأسيس هذه القناة خطوة استراتيجية هامة تعكس الرغبة في تعزيز الحوار الإعلامي والتواصل الثقافي في المنطقة، إضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية وتوضيح مواقف الأردن إعلاميا مما يجري من احداث وازمات.
منذ عام 2019 وحتى عام 2024، شهدت القناة زيادة ملحوظة في ميزانيتها، ما يعكس التزامها بالتطوير المستدام وتقديم محتوى ذو جودة عالية للمشاهدين. بدأت بميزانية قدرها 10 ملايين دينار في عام 2019، وارتفعت إلى 11 مليون دينار في 2022، ووصلت إلى 12 مليون دينار في عام 2024. هذه الزيادة تعكس استثماراتها في تحسين البنية التحتية التقنية، وتوسيع نطاق التغطية الإعلامية، وتطوير البرامج الوثائقية والتلفزيونية، وتعزيز الهوية البصرية والرقمية للقناة.
مع مرور السنوات منذ إطلاقها، تواجه قناة المملكة عدة تحديات تقف أمامها في سعيها لتعزيز مكانتها الإعلامية والاستمرار في تقديم خدمة إخبارية وإعلامية محترفة.
أحد أبرز العقبات التي تواجه القناة هو تباين دخل الإعلانات، الذي يعد من المصادر الرئيسية لتمويل أنشطتها. تعتمد القنوات الإعلامية بشكل كبير على الإعلانات لدعم تكاليف الإنتاج والبرامج، وتقديم محتوى متميز للمشاهدين. تقلبات سوق الإعلانات يمكن أن تؤثر سلباً على قدرة القناة على الاستثمار في تطوير مواردها وتوظيف المواهب الإعلامية.
مقارنة ببعض القنوات الإعلامية العربية المنافسة، تعاني القناة من “ندرة” وجود كفاءات إعلامية بارزة تحظى بحضور قوي على مستوى المنطقة العربية. يمثل ذلك تحدياً كبيراً في بناء الهوية الإعلامية وزيادة التأثير الإعلامي للقناة على المستوى الإقليمي والدولي. محليا وباستثناء برنامج صوت المملكة الذي يقدمه الإعلامي عامر الرجوب، الذي يتحدث بلغة نقدية مقبولة جدا تروق للمشاهدين، وتشعر بان القناة صوتهم لا صوت المسؤولين، فلا يوجد ما يجعل برامج قناة المملكة -مع كامل التقدير والاحترام للزملاء والبرامج- تختلف عن برامج التلفزيون الأردني الأكثر رسمية في الاعلام الاردني.
على الرغم من جهودها المستمرة في تقديم محتوى إعلامي شامل ومتنوع، وارتكازها على المحتوى التحليلي والحواري الاخباري، إلا أن قناة المملكة تواجه تحديات في بناء تأثير إعلامي قوي وثابت على المستوى المحلي والإقليمي. مع تنامي حضور وتأثير منصات التواصل الاجتماعي، لم تتمكن القناة من ان تثبت نفسها كمصدر رئيسي وموثوق للمعلومات لدى الاردنيين، وهذا يؤثر سلباً على نفوذها وانتشارها بين الجمهور المستهدف.
القناة لا زالت تعاني أيضا في صناعة من يخاطب الأردنيين عبر برامجها، وتوقفت على قائمة محدودة جدا من “المصادر”، وتعيد تكرار استضافة ذات الوجوه في اغلب برامجها، لدرجة ان المتابع عند الإعلان عن عنوان حلقة ستبث قريبا على شاشتها صار يتوقع مسبقا من الشخصيات المحتملة الحديث عن ذات الموضوع، وهنا تبتعد برسالتها وادعائها من انها تعكس صوت الوطن، فالوطن لا يختصر صوته بأصحاب المعالي والعطوفة وأصحاب المواقع الرسمية الحاليين والسابقين، فاتجهت القناة لتصبح أكثر رسمية من التلفزيون الأردني. هذه النزعة نحو “الرسمية” تجعل المتابع قليل الثقة في كل ما هو رسمي.
خلال سنوات انطلاقها الست ورغم ما يتعرض له الوطن كل فترة من تشويه وطعن في مواقفه السياسية ومبادراته وتحركاته في الإقليم والعالم، ولا اجامل هنا إذا قلت ان هذه الترسانة الإعلامية كان أدائها الإعلامي اقل من التوقعات في وقت الازمات، فهي تكرار عما تفعله شاشة التلفزيون الأردني من حيث الموضوعات والشخصيات. لا نريد مهنية وحرفية مصطنعة حينما يتعلق الامر بالطعن بالوطن وثوابته، نريد خطابا إعلاميا واضحا جريئا مساندا للخطاب السياسي والدبلوماسي، لا يخجل من الهوية الوطنية ولا يتحرك في مساحات التردد.
تعيش القنوات الإعلامية في منافسة شديدة على جذب الجمهور والإعلانات، مما يزيد من صعوبة بناء هوية إعلامية مميزة وزيادة نسبة المشاهدة والثقة العامة. هذه التنافسية قد تكون تحدياً إضافياً لـقناة المملكة في استقطاب الجمهور والمحافظة على تفضيلهم لها كمصدر موثوق للأخبار والمعلومات.
ورغم التحديات، تظل قناة المملكة ملتزمة برسالتها في تقديم محتوى إعلامي مقبول محليا، قليل التأثير والحضورعربيا، لكنها بالنهاية تسعى جاهدة لعكس التطلعات الوطنية ويخدم مجتمعها بكافة أبعاده. وتسعى القناة إلى تعزيز قدراتها الإنتاجية والإبداعية، وتوسيع قاعدة جمهورها عبر الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة وتطوير البرامج المتنوعة من خلال لجان الجمهور المختلفة. وتبقى انطلاقتها السادسة فرصة لنا كمتابعين ومهتمين بالشأن الإعلامي ان نبارك للزملاء في القناة على الانطلاقة، كما انها فرصة لنا جميعا كمتابعين ان نشتبك إيجابا عبر تقييم وملاحظات حول الأداء العام، وكلي ثقة ان ما نطرحه سيجد كل الاهتمام والرعاية من فريق عمل القناة ودوائر صنع القرار المعنية بملف الاعلام بالدولة. مبارك لمملكتنا ومزيد من التألق والتقدم.