د. محمد كامل القرعان
إذا بعد ثبوت هذا الدعم الأمرييكي بشكل فاضح وواضح، أصبحت اسرائيل، ولا تزال، أهم شريك لأميركا في الشرق الأوسط حيث ترتبط الدولتان ارتباًطا وثيًقا بالعلاقات التاريخية والثقافية بالاضافة إلى المصالح المشتركة. الولايات المتحدة أهم حليف لاسرائيل وأكبر مصدر للمساعدات والمعدات العسكرية لها.
منذ تأسيسها، تلقت إسرائيل مساعدات خارجية أمريكية بالمجموع أكثر من أي دولة أخرى خلال تلك الفترة: 300 مليار دولا. لكن القانون الامرييكي يلزم وزارة الخارجية بضمان عدم وصول المساعدة الامنية الامريكية إلى قوات الامن التي تستمر في ارتكاب انتهاكات حقوقية
جسيمة. وتتطلب السياسة الامريكية الحالية أيضا من الوزارة تقييم ما إذا كان متلقو المساعدات العسكرية الامريكية على الارجح يستخدم الاسلحة الامريكية لانتهاك القانون الدولي، وحظر عمليات النقل إلى أي دولة تستوفي هذا المعيار. لكن حتى الان، ليس واضحا ما إذا أجرت وزارة الخارجية هذه التقييمات و حّث كبار المسؤولين الاميركيين، علنا وسرًا . الحكوكة الاسرائيلية على تقليص الضرر بالمدنيين والسماح بإيصال المزيد من المساعدات اإلنسانية إلى غزة. مع ذلك، باستثناء التحذير الذي أطلقه الرئيس الامرييكي جو بايدن في ديسمبر/كانون الاول الماضي على ما يبدو بشأن المخاطر التي تتعرض لها سمعة إسرائيل من خلال تنفيذ »قصف عشوائي«، تجنب المسؤولون الامريكيون التصريح بوضوح بأن أي تصرفات إسرائيلية بعينها في غزة غير مقبولة أمضى المتحدثون باسم الادارة أياما يتراجعون عن تعليق بايدن. وحول سلوك إسرائيل في غزة، لم يجيبوا بوضوح.
وغاب بشكل ملحوظ أي تصريح يؤكد أن إسرائيل تلتزم في الواقع بالقانون الدولي. ورغم أن إدارة بايدن لم تتردد في انتقاد سلوك أطراف متحاربة في نزاعات أخرى. وسبب ذلك هو أن لفت مزيد من الاهتمام إلى ما يحدث في غزة سيفرض بالتأكيد تغييرًا في السياسة لا يرغب
واشنطن.. تناقض أم نفاق! … بايدن في إجرائه، وقد يفرض على إدارته سلسلة من الخيارات الصعبة التي تفضل تجنبها، ويفاقم تعقيد الديناميات المعقدة أصال للعالقة الامريكية-الاسرائيلية – وربما يضعف بايدن سياسيًا في عام االنتخابات.
لكن مع تجنب الادارة الاميركية واقع الانتهاكات الاسرائيلية في غزة وتطبيقها قواعد المساعدة العسكرية انتقائيا، سيتلاشى أكثر فأكثر التفوق الاخالقي الذي تدعيه الولايات المتحدة. طوال تاريخها، وقد رّوجت الولايات المتحدة احترام قوانين الحرب، كما دأب القادة
الامريكيون على التأكيد، هو أحد الاشياء التي تميز البلاد عن خصومها. في حين شجبت إدارة بايدن الفظائع التي ارتكبتها حكومات دول مثل روسيا وسوريا، لكنها تظاهرت بعد ذلك بأن لا رأي لها بشأن الفظائع التي ترتكبها حكومة إسرائيل، ولا تمّولها. الاضرار طويلة الامد لهذا
النهج تفوق المكاسب المؤقتة بكثير وتضر بمصداقية الولايات المتحدة ومصالحها.
ينبغي للمسؤولين الاميركيين القول بصوت عال ما يعرفونه، ويعرفه كل مراقب حيادي عن سلوك إسرائيل في غزة، إنه أمر غير مقبول، وإذا لم يتغير فإن السياسة الاميركية تجاه المساعدة العسكرية الاسرائيل ستتغير سيكون ثمن هذا الصدق باهظا، ولكن ثمن النفاق أعلى.
وهذا بدليل ما نشرته منظمات حقوقية ووسائل إعالم تقارير عن العقاب الجماعي غير القانوني بحق السكان الفلسطينيين، واستخدام التجويع سلاحًا في الحرب، والقصف الجوي والمدفعي، وهدم المباني التي لم تتضمن أي أهداف عسكرية واضحة ورغم ذلك أدى إلى
خسائر مدنية كبيرة ودمر الممتلكات. وما توصلت اليه تحقيقات »هيومن رايتس ووتش« إلى حصول غارات غير قانونية متكررة على مستشفيات في غزة، كما وجدت »منظمة العفو الدولية« أن المنازل المكتظة بالمدنيين في غزة تعرضت للقصف بـ »ذخائر الهجوم المباشر
المشترك« أميركية الصنع، التي قتلت مدنيين بينهم اطفال رضع وتنفيذها هجمات عشوائية غير قانونية. حين يكون السؤال ما إذا كانت إسرائيل تنتهك القانون في غزة، هناك ما يكفي من الدخان للاشتباه بنشوب حريق، وهذا وضع المسؤولين الامريكيين في مأزق.
ويتطلب القانون الاميريك من المسؤولين تقييم ما يفعله متلقو المساعدات العسكرية الامريكية بالاسلحة المقدمة إليه. قد تبدو هذه التقييمات ذات أهمية خاصة عندما يتعلق الامر بالحرب في غزة، نظرا لحجم القصف الاسرائيلي الهائل والمستويات المعلنة للخسائر في
أرواح المدنيين. لكن ليس واضحا أبدا أن ذلك يحدث. ويتطلب القسم )502 ب( من قانون المساعدة الخارجية من وزارة الخارجية ضمان أن المساعدة الامنية الاميركية لا تحّرض على الانتهاكات الحقوقية الجسيمة. وتحظر ما تسمى بـ »قوانين ليهي« التي سنها الكونغرسمنذ
عقود توجيه المساعدات العسكرية األمريكية إلى وحدات محددة ترتكب انتهاكات حقوقية جسيمة، ومنعت توجيه المساعدات العسكرية إلى قوات الامن المنتِهكة في هندوراس، ونيبال، ونيجيريا. لكن نظام ليهي »معطل« عندما يتعلق الامر بإسرائيل. أسوأ نتيجة لرفض الادارة الاميركية الامتثال لنص القانون الاميريك وروحه هي أن واشنطن قد تمّكن وقوع خسائر فادحة وربما إجرامية في أرواح المدنيين في غزة. لكن ثمة ضحية أخرى لهذا النهج وهي مصداقية الواليات المتحدة، التي تضررت بسبب ما يمكن أن يعتبر في أفضل وفي أسوأ الاحوال نفاقً…