يعتبر انفجار بيروت فاجعة مروّعة بكل المقاييس، تبعا لما أحدثه من خسائر وأضرار بشرية ومادّية، وتهجير مئات الآلاف من بيوتهم، وقد أدى ذلك إلى إعلان العاصمة اللبنانية مدينة منكوبة، فكان الانفجار(الزلزال) حدثا أليما للبنانيين والعرب والعالم أجمعين، حيث كانت المناظر والمشاهدات تفوق الوصف، ودون أدنى تردد، وجه اللبنانيون إصبع الاتهام في هذا الانفجار إلى غول الفساد المستوطن لديهم. لذلك أصبح كل مسؤول لبناني من أي مستوى هدفا للنقد والقدح والتهجم، حد أن لم يستطع أكثرهم الخروج إلى موقع الانفجار، للوقوف على ما حدث، والاطلاع على حجم الأضرار التي أصابت المدينة بكاملها، وفي كل نواحيها، خوفا من مواجهة الناس، بل وصل الأمر أن يسبقهم رئيس دولة أخرى لتفقد ما حدث، وهو الرئيس الفرنسي رئيس دولة الاستعمار سابقا!. استقبل اللبنانيون الرئيس الفرنسي باهتمام، وخرجت زيارته عن المألوف، لكن ذلك لم يتم من باب الحنين للاستعمار الفرنسي-كما قد يتوهم البعض- حيث لم يكن استعمارا إنسانيا ولا حضاريا، بقدر ما تشخص عيونهم للمقارنة بين ما وصلت اليه فرنسا مستعمرتهم سابقا، وما يعلق به مشروعهم الوطني من فساد وطائفية منذ أزيد من سبعة عقود. إن حجم الانفجار عكس بصدق حجم الفساد، الذي ينمو وينتشر دون التوقف عند حد، فأطنان المتفجرات المخزونة في غير مكانها، تؤشر أن المسؤول لا يكترث بحياة البسطاء، ولا يعمل لصالح البلد، بقدر ما يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة وأسرته، وبعدها ليذهب الجميع للجحيم. إن الحزن والألم والغضب الذي حاق بالعرب جميعا، جرّاء الانفجار، جاء من زاوية أننا كعرب في أوطاننا وفي كل أرجاء عروبتنا، نتشابه في طغيان الفساد لدينا، والتنافس بيننا يقع في من هو أفسد أو أقل فسادا، وبالتالي فإن الخوف من انفجار الفساد في وجوهنا، لا يتعلق بفساد محدود في ميناء أو مكان هنا أو هناك، بل أن خوف العربي صار من انفجار الفساد العاتي الذي يقتل ويشرد، فالفساد أضحى بيئة حياة ملوثة، تطال الجميع، ويصادفه الناس في كل مستوى، وفي كل مؤسسة أو جامعة أو مدرسة أو سو ق أو ميناء أو مزرعة، حتى أصبح المطلوب من الإنسان العربي أن يتعايش معه ويكتوي بناره دون تأوه. بتنا نخشى اليوم من خروج مارد الفساد من قمقمه في أي بلد أو مدينة عربية، ليضرب بقوة وينفجر في وجوهنا، فيحطم ويقتل دون أن نرى أي حس بروح المسئولية، بل لا نجد من يضرب على يد الفاسدين، ولا من يمسح دمعة الوطن، أو يأخذ بحق ضحايا الفساد، ليُسلم الإنسان العربي بأن الفساد تيار جارف، يسحب بطريقه من يناكف، ولن يستطع أحد الوقوف في وجهه أبدا. مسرحية “الزعيم” للفنان عادل امام كانت بحق ملهاة مأساوية هستيرية في ذات الوقت، نسبة لحجم التحايل الذي يبديه رجال الحكم، والتنازلات التي يقدمونها، لكي يمرروا صفقة تخزين نفايات نووية لدولة أجنبية في بلدهم، نظير عمولات ورشاوي، ثمنا للخيانة التي لا تغتفر، غير آبهين مما قد تتسبب به هذه النفايات في صحة المواطنين، وهذه المسرحية التي ابكتنا ضحكا لِكم الفساد الذي يحيق بنا، تقترب من واقعنا وربما دون رتوش أو تحريف. كم أبدع الكاتب الإنجليزي جورج اورويل في روايته مزرعة الحيوانات -والتي كانت مقررة يوما ما في مناهجنا الأردنية- وهو ينتقد غياب العدالة الاجتماعية والديمقراطية! فالمسؤولون الخنازير أو الخنازير المسؤولون يستأثرون بالحليب لذاتهم ويشربونه وحدهم من أجل أن يفكروا عن باقي الحيوانات وكم كان مدهشا انسياق الحيوانات وراء الخنازير على الرغم من القرارات الفجة التي يسنها المسؤولون -الخنازير- لتعزيز سلطتهم وتغليف فسادهم والانتقاص من حق رعيتهم. في نهاية الرواية جاءت أبلغ العبارات وأصدقها “فأخذت الخنازير تقلّب نظرها بذهول بين وجوه الرجال ووجوه الخنازير فلا تجد فرقاً بينها”.