الدكتور محمد حسين المومني
المقصود ملف العمالة الوافدة وملف التهرب الضريبي وهما من المشاكل العابرة للحكومات لم يتسنّ السيطرة عليهما. جهود تبذل، وأثق شخصيا بكفاءة وعزيمة المعنيين بهذه التحديات، لكن يبدو أننا أمام معضلات عصية تحتاج شيئا خارج المألوف لكبح جماحها. الخزينة تتكبد مئات الملايين بسبب التهرب الضريبي وضياع رسوم ترخيص العمالة الوافدة؛ ملايين قادرة أن تسد فجوة عجز الموازنة بعد المنح وإبطاء ارتفاع نسبة الدين التي ارتفعت العام الماضي وحده نقطتين مئويتين لتصل 96.6 بحسب النشرات الرسمية. في بلد يعاني اقتصاديا وماليا بدرجة شديدة وقاسية، يجب التعامل مع هذه التحديات بروحية حالة الطوارئ الوطنية، فاستمرار الحال يُعد تقصيرا ونكرانا بحق الوطن والمجتمع. مواجهة هذه التحديات ليس عملا مطلوبا من وزارتي المالية والعمل فقط، فهذه الملفات تحتاج جهود عدد من الوزارات والمؤسسات المستقلة والرقابية من وزارة الاتصالات والاعلام والادارة المحلية وتطوير القطاع العام والتربية والتعليم والتعليم العالي وديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد والاجهزة الامنية وغيرها. تخيلوا حجم الوفر القادر على سد العجز وزيادة النفقات الاستثمارية دون الاقتراض ومدى تأثير ذلك على البطالة ومعدلات النمو؟ السيطرة على هذه الملفات بالفعل علاج حقيقي وذاتي سيعزز من منعتنا وصمودنا الاقتصادي.
وزارة العمل طلبت من العمالة الوافدة غير المرخصة مغادرة البلاد وهذه نبرة جديدة وجيدة، وهي بصدد تشكيل لجان تفتيش على هذه العمالة لاتخاذ إجراءات التصويب او التسفير. وزارة المالية قررت أن الجزء الاساسي من البرنامج القادم مع صندوق النقد مكافحة التهرب الضريبي ضمن منظومة محدثة والاستعانة بالممارسات الفضلى عالميا. هذا كله جيد ومطلوب، لكن تبقى العبرة بالنتائج. ما يظهر للآن، أن هذه الوزارات متروكة دون إسناد لأن هذه التحديات ما تزال تعتبر تحديات تخصها وليست تحديات وطنية يجب أن ينهض الكافة لمواجهتها.
لا أدري لماذا لا ننجح كما الخليج بالسيطرة بإحكام على ملف العمالة الوافدة. ربما علينا الاستعانة بتجربتهم وأردنتها بطريقة تستجيب للواقع لدينا. ولا أدري كيف نجحت دول العالم المتقدم بالسيطرة على تحدي التهرب الضريبي، وما بالنا لا نفعل ونحن بحاجة لكل قرش في ضوء أوضاعنا الاقتصادية الصعبة. ظروفنا تملي ضرورة أن نكون الافضل والاكثر فعالية في مواجهة هذه التحديات، تماما كما فعلنا في مواجهة تحدي شح المياه الذي تطلب منّا ان نكون من أفضل دول العالم – ربما بالمرتبة الاولى او الثانية – في “إدارة” المياه. يجب أن نكون في المراتب الاولى بالتعامل مع التهرب الضريبي وترخيص العمالة الوافدة.
أخيراً، لا بد من التأكيد على واجب الجميع بالتوعية وحماية المجتمع من هذه الآفات. الفاسدون بكافة أحجامهم يسعون لترسيخ ثقافة ان المتهرب ضريبيا والموظف للعمالة غير المرخصة فهلوي وشاطر، مع أنهم حكما وقانونا وأخلاقيا مجرمون سارقون مكانهم السجن.