باعترافهم!!! نصف قرن، ووصفي التل يتحمل وزر عمل لم يقترفه ، إلا أن رجولتك فرضت عليك كونك رئيسا للوزراء أن تتحمل المسؤولية الأدبية عن تنفيذ العملية العسكرية التي اطلق عليها اسم ” جوهر ” ، والتي نفذت هجوما على احراج جرش وعجلون .
باعترافهم!!! يؤكد مقربون من مختلف التيارات براءتك من هذا الوزر؛ لعدم علمك بالهجوم ” اليوم الواحد ” ، وإنها كانت مؤامرة حيكت ضدك بعناية فائقة من قبل اطراف داخلية، ومن بعض الزعماء العرب، وقيادات في منظمة التحرير الفلسطينية وجهات خارجية داعمة ، للتخلص منك، ومن العمل الفدائي معا .
خمسون عاما مرت لتبرئتك مما اتهموك به، وقتلت لأجله، تصريحات توالت علينا تباعا ، بدءا من شهادة وزير الاعلام آنذاك عدنان ابو عودة على قناة الجزيرة بأن الهجوم على الفدائيين في احراش جرش وعجلون كان دون علم وصفي، وكذلك مقابلة منيب المصري وزير الاشغال في حكومتك مع احدى الصحف العربية، الذي رفض فيها أن تكون أنت – من سعيت لقيادة مجموعة فدائية لتنفذ هجوما على القدس بعد النكسة عام 1967- خلف هجوم ” الاحراش ” ، وتستمر شهادات البراءة ، وآخرها تلك التي قدمها نذير رشيد مدير المخابرات آنذاك بأن ” هناك أحداثا حصلت ولم نخبر “وصفي” بها .. دخلنا إربد ولم نخبره، وهاجمنا احراش جرش ايضا ولم نخبره !!”.
هذه الشهادات من رجالات الحكم تثبت أنك كنت على خلاف مع بعض رجالات الحكم آنذاك ، وشخصيات خارجية ، وأنهم هم من خذلوك، وتآمروا عليك، وقرروا تصفيتك سياسيا ، إلا أن المدة القصيرة بين الحادثة واغتيالك لم تسعفك لمعرفة حقيقة ما كان يحاك ضدك ، وكشف ابعاد المؤامرة التي استهدفتك، واستهدفت الفدائيين، وضرب علاقتك بهم !!!
شهد العام 71 مواجهات بين القوات المسلحة والفصائل الفدائية، التي فرضت سيطرتها على الأراضي الأردنية ، وأصبحت “دولة داخل الدولة”، فأراد الراحل الحسين توجيه ضربة عسكرية “محدودة” للفصائل الفدائية؛ لإعادة هيبة الدولة، فيما خالفه في الرأي حابس المجالي، ووصفي التل، وزيد الرفاعي، وزيد بن شاكر ومدير المخابرات الأردنية آنذاك نذير رشيد بأن تكون ضربة “استئصالية” ، وتم الاتفاق في نيسان على جمع ” الفصائل ” في أحراش جرش وعجلون ، تمهيدا لخروجه عناصرها الى سوريا، ليشهد شهر تموز اشتباكات بين الجيش وآخر معاقل الفدائيين ، حيث قتل عدد من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية ، مما أثار غضب الفدائيين ، وحملت بعض المصادر مسؤولية هذا الهجوم الذي أدى لخروج جميع الفصائل الفدائية من الاردن نهائيا !! لوصفي التل، الذي صدرت أوامر الفدائيين بقتله ..وهذا ما حدث !!
وعلى اثرها تأسست منظمة “أيلول الأسود” للانتقام من جميع الأطراف التي كان لها دور في اخراج الفصائل الفدائية من الأردن، ونفذت محاولة اغتيال ضد زيد الرفاعي في لندن ، وتم اغتيال وصفي التل في القاهرة خلال مشاركته في اجتماع مجلس وزراء الدفاع العربي لبحث اعادة الفدائيين السلمي للاردن ، حسب ما صرح به القائد (الفتحاوي ) خالد الحسن لقناة الجزيرة “، إذ قال” ان قتل وصفي يعني انتهاء أمل عودة الفدائيين للأردن؛ لأنه كان يريد إعادة الفصائل للأردن، وهو الوحيد القادر على ذلك” !!!
تحولت محاكمة قتلتك من جنائية إلى قضية سياسية بعد أن ربط محامو الدفاع من “الجزائر، ومصر، وليبيا، وسوريا، وفلسطين ” اغتيالك بما حدث في الأردن، وقررت المحكمة إخلاء سبيل المتهمين، الذين ظهروا بكامل أناقتهم، وهم يلوحون بشارة النصر.
بعد حرب 67 كنت تريد تحويل الأردن إلى أرض مقاومة لاستعادة الحق المغتصب، وهذا خلق نوعا من الخلاف بالرأي مع بعض رجالات الدولة ، ومنهم قائد الجيش آنذاك عامر خماش، الذي كان يخالفك الرأي، بعد اغتيالك تعالت أصوات شعبية مطالبة “بمساءلة ” طاقم السفارة الأردنية، والملحقية العسكرية في القاهرة عن تقاعسهم في توفير الحماية لك، رغم وجود تهديدات صريحة لحياتك ، وشهد منزلنا “مجلسا لمساءلة ” بعض رجالات الدولة العسكريين الذين زرعوا في سفارتنا، ورضخ والدي معالي اللواء الركن فهد جرادات- رحمه الله – للمطالبات الشعبية ، ونظم ما يمكن الاطلاق عليها “محاكمة شعبية ” ، حينها كان والدي قد اعيد للعمل في الجيش قائدا للجيش الشعبي، بعد استقالة الحكومة العسكرية التي كان فيها وزيرا للمالية اثر تقديم رئيسها الزعيم محمد داوود استقالته خلال وجوده في القاهرة بتاريخ 24 / 9 / 1970 بعد ثمانية أيام من تشكيلها، للمشاركة بمؤتمر القمة العربي لبحث المواجهات العسكرية بين الجيش والفصائل الفدائية التي تحولت الى جماعات مسلحة يسعى بعضها إلى اسقاط النظام ، بعد أن أضحت الدولة على حافة الانهيار .
وحتى في مماتك ، تفوقت على اعدائك ، اذ كنت رئيسا بحجم قائد ، تفردت في فتح صفحة جديدة مع المعارضة، وعملت على احراق ملفات المحكومين سياسيا في دائرة المخابرات العامة ، واطلاق سراح السجناء السياسيين ، حتى حُملت على الأكف من قبل الشعب وأنت حي ، كما حملوك للمرة الأخيرة على الأكف بعد اغتيال جسدك ، وحظيت بجنازة شعبية لا يحظى بها إلا القادة العظام، وأغلقت البلاد ، وأعلن الحداد لاربعين يوما ، ونكست الاعلام وبكاك الصغير قبل الكبير، وغنت عليك الاردنيات الثكلى، وأعلن الجيش الحداد ، وطوق الشريط الأسود أذرع منتسبي الجيش العربي الأردني الباسل؛ حزنا على رمز اردني هتفت الجماهير له ” فوق التل .. تحت التل احنا رجالك وصفي التل” ، حتى أصبحت أهزوجة من أهازيج الحصيدة الاردنية “، اذ بكتك الاردنيات والاردنيون، بقولهم:” يا مهدبات الهدب ابكن على وصفي “.
بعد نصف قرن على استشهادك وبروز جوانب مهمة من الحقيقة الغائبة المغيبة، ومع توالي”التصريحات الانصافية” بحقك، نعيد للواجهة المطالبة بالبحث عن (مَصْدَرومُصْدِر) الرصاصة القاتلة التي نفذت إلى قلبك ؟!! بعد أن أكدت التقارير المصرية الرصاصة القاتلة لا تعود لاسلحة منفذي الاغتيال !!
وصفي…الاردنيات لسن عاجزات عن انجاب ( وصفي ) لكن رحم الاردنيات أصابه الوهن المؤقت، وعليهن استعادة قدرة ارحامهن على الانجاب بعد استعادة مكانته بعد إهماله لصالح أبناء التبني .
وصفي التل .. أنت ستبقى حيا في ضمائرنا ووجداننا كما حب الوطن في قلوبنا ..وإن مات وصفي ، فهناك مليون وصفي حي فينا..