محمود الخطاطبة
مضى من عمري ما يقرب من نصف قرن، ولم أذكر أن كان هناك حكومة، منذ تأسيس هذا البلد، تستهزىء وتستهين بعقل المواطن، مثل هذه الحكومة التي أطلقت على نفسها حكومة النهضة، التي كانت في بدايات تشكيلها صاحبة نظرية عقد اجتماعي جديد.
نعم، استهزاء واستهانة، ليس بعقل المواطن فقط، بل بحياته من جميع جوانبها.. فها هي اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء، عمر الرزاز، في الرابع من شهر آب(يوليو) الحالي للوقوف على حيثيات حادثة التسمم الغذائي (الشاورما) بلواء عين الباشا في محافظة البلقاء، تخرج على الشعب الأردني المرابط، الذي ذاق الأمرين، لتقول له وبفم ملآن ان المسؤولية إدارية.
الحادثة التي ذهب ضحيتها شخصان، أحدهما طفل يبلغ من العمر خمسة أعوام، فضلًا عن ألف إصابة، ولولا قدر الله عز وجل ومشيئته، لكان هناك وفيات أخرى. ستمرهذه القضية، وللأسف، كغيرها من القضايا، التي دفع ثمنها الشعب سواء أكان ماديًا أم معنويًا.. وعلى رأي الأوروبيين إذا أردت أن تضيع أو تموت حادثة ما شكل لها لجنة.
هل من المعقول أن تُحمل اللجنة، المسؤولية الإدارية لتلك الحادثة للمؤسسة العامة للغذاء والدواء ومديرية صحة البلقاء فقط، وهي التي كان الغرض منها مراجعة الإجراءات المتعقلة بصلاحية المواد الغذائية وبيان أوجه الخلل والتقصير.
الأصل في مثل هذه اللجان، أن تضع اصبعها على المتسبب الأول، ثم التوصية بإنزال العقوبة التي يستحقها، بحيث تكون بحجم ما تسبب به من أضرار سواء أكانت مادية أم جسدية (كإزهاق أرواح أو التسبب بإيذاء آخرين)، وحتى معنوية، إضافة إلى معرفة من أهمل أو قصر في واجبه الوظيفي.. ذلك ليكون عبرة لغيره.
ورغم اعتراف اللجنة بأن هناك تقصيرا، مما يعد خطوة إيجابية، إلا أن “إلزاق” تهمتي التقصير والإهمال، بتلك “المؤسستين” فقط، فيه نوع من الإجحاف، فالأولى أدبيًا واخلاقيًا، توجيه المسؤولية إلى المركز الرئيس، وهو هنا ممثل بوزير الصحة، كونه رئيس مجلس إدارة “الغذاء والدواء”، و”صحة البلقاء” تتبع له إداريًا.. فمعلوم أن السياسات يرسمها المركز وهو الذي يضع الإجراءات أيضًا، في حين يكون التنفيذ من مهام الفروع ومسؤولياتها.
تقرير اللجنة أشبه ما يكون بـ”ذر للرماد في العيون”، وعلى رأي المثل الشعبي: “من فمك أُدينك”، فهو يشير إلى معلومات، المواطن العادي يعرفها، ويعرف الحلول لها.
فاللجنة تقر بأن المؤسسة العامة للغذاء والدواء لها أفرع فقط في عمان وإربد والزرقاء والكرك.. تصور عزيزي القارئ، بأن ثماني محافظات لا يوجد فيها أفرع لهذه المؤسسة، التي هي بالأصل مسؤولة عن صلاحية غذاء المواطن الأردني، وكل من يُقيم على أراض المملكة.
اللجنة تقول كذلك، انه يوجد في مختلف مناطق المملكة نحو 64 ألف منشأة غذائية، وأن هناك 82 مفتشًا فقط يشرفون عليها.. لكنها لا تستطيع أن تقول ان ذلك سلبية رئيسة يتحمل سببها المركز الرئيس، الذي كان يتوجب عليه زيادة ذلك العدد إلى الحد الذي يكون معه قادرًا على تنفيذ مهام المؤسسة التي وجدت من أجلها، وبالتالي تحقيق أهدافها.
ولم تُفصح اللجنة عن العقوبات التي نسبت بها، جراء تحميلها المسؤولية لتلك “المؤسستين”، ثم لم تُفصح أيضًا عن ماهية المسؤولية الإدارية، وهل يتوجب عليها عقوبات، تكون مناسبة لما تسببت به حادثة التسمم؟
إحدى توصيات اللجنة، هي: وجود ربط إلكتروني لتتبع السلسلة الغذائية… كلام رائع، لكنه غير مجد ولا مقنع، وخصوصًا أن “الانترنت” ما أكثر انقطاعاته في بلدنا.
وللإنصاف، كان هناك توصية، نستطيع وصفها بـ”الممتازة”، وهي تلك التي تتعلق بتوحيد الجهات الرقابية على الغذاء والمنشآت الغذائية.