د. علي منعم القضاة
مر سيدنا عمر بن الخطاب في أحد شوارع المدينة، مع بعض المسلمين، وفي الأثناء نزل ماء ما ميزاب أحد الناس فأصاب ثوب أحد مرافقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسأل هذا الشخص صاحب المنزل، أطاهر هذا الماء يا صاحب الميزاب، فأجاب سيدنا عمر لا تجبه يا صاحب الميزاب، امضي في طريقك يا صاحب الورع الزائف، لم يطلب منا ديننا الحنيف التكلف، ولا التنطع أبدا.
ساقني إلى هذا الحديث الألم الذي أحدثته في نفوس كل الأردنيين، بل ربما في كل العالم الذي ينظر لنا ولإجراءات حكومتنا وشعبنا بعين الفخر والإعجاب، لك الدعوة الرمضانية التي قد تكون سبباً في قتل أرواح بريئة كانت آمنة مطمئنة، وكذلك الألم الذي سيحدثه منع بقية الطلبة من العودة إلى بلدانهم بسبب تصرف أهوج أرعن قامت به مجموعة غير مسؤولة، ما هذا الشيء العظيم من إقامة دبكة بين كرفانات الحجر، رمضان يمنعنا عن البوح بكثير مما ينبغي أن يقال في كلتا الحالتين.
عمّرَ الناس الدنيا، وأقاموها فما أقعدوها، وعويلاً على أبنائنا في الخارج، وفلذات أكبادنا وساقوا لنا كل أمثال العالم أن الدولة الفلانية تفعل كذا، والدول التي تحرص على أبنائها تقوم بكذا؛ نعم إن من ميزات الشعب الأردني أنه شعب عاطفي، تَعْمُرُهُ النخوة والفزعة، حركتهم عواطفهم الجياشة من جهة، وعدم ثقته بالحكومات المتعاقبة، كل ذلك دفع باتجاه واحد، وهو أنه واجب على الحكومة إحضار الطلبة من الخارج مهما تكن التكاليف، هؤلاء أولادنا وفلذات أكبادنا!. لماذا نتركهم للوباء وظروف الغربة، وكل المبررات التي يذوب لها الفؤاد، ويتباكون عليهم.
فئة قليلة من الناس طالبت أن يبقى الطلبة في دولهم التي هم فيها، وأوضاعهم مستقرة هناك، وأن إعادة الطلبة فقط على أصحاب الضرورات الملحة، وخاصة الطالبات اللواتي تقطعت بهن السبل، كنتُ وما زلتُ مع هذا الرأي، ونسأل الله أن يحفظ جميع الغائبين من كل شر وأن يرفع عنا هذا الوباء وعن البشرية جمعاء.
صدر القرار بإحضار جميع الراغبين من بلدان العالم أجمع، وتحملت الحكومة مشكورة مأجورة مخاطر ذلك، واستعدت له يساعدها في ذلك توفيق من رب العالمين، ثم خبرتهم القريبة في التعامل مع الحدث نفسه من قبل، وقامت الحكومة بكل الإجراءات اللازمة، والاستعدادات، وجهزوا أماكن الحجر الصحي للقادمين، واستقبلوهم بحفاوة وعناية وتكريم، حتى وصولهم إلى الأماكن المخصصة.
كان نكران الجميل من الطلبة، وحلت تصرفاتهم بنا كالصاعقة، تصرفات هوجاء فجعتنا، وجعلت كل عاقل منا نادمٌ على المطالبة بإحضارهم، تصرفات مبعثها حماقة المخالفين وبلادة إحساسهم. ليتبادر إلى الذهن سؤال منطقي لماذا تتعامل معهم الجهات المنظمة للحجر بديمقراطية، والله لو كان لي من مقترح مسموع؛ لطلبت من الحكومة أن تضعهم في الحجز الانفرادي، وليس الحجر الصحي في غرف مجهزة طيلة هذه الفترة، على هذا التصرف المتهور؟!
مجرد مخالطة بريئة دون قصد تنقل العدوى بين الناس، فكيف بنا ونحن نخالط مصاباً بكورونا! ونأكل زرافات من منسف واحد، ثم يدار بعده فنجان الضيف والكيف من القهوة السادة، ونشرب جميعاً من يد المعزب، عليه من الله ما يستحق، لنخرج بنتيجة مؤلمة (29) حالة إصابة مرة واحدة، يا للهول!! أو ليتبادل طلبة حمقى بمنتهى الرعونة نفس أرجيلة مشترك، وتأخذهم النشوة أنهم فرحون بما فعلوا، تباً ثم سحقاً، لمن يفعلون، ولما يفعلون، نتائج فحوصهم لم تصدر بعد، نسأل الله أن تكون سلبية، أكثر من سلبية تصرفهم.
نناشد الحكومة وكل الجهات المعنية، وكل صاحب ضمير حي من أصحاب القرار، بعدم التهاون معهم لأن إغفالهم سيكون كارثياً، ويجب عليهم الانصياع واحترام الجمع العام، فتصرفات هذه في كلا الحالين لا تعكس أدنى درجات المسؤولية الاجتماعية، بل هي أفعال مخيبة للآمال، وهو كرم زائف، وكذلك نقول يجب الضرب بيد من حديد على من سرب تلك الفيديوهات، لأنها تفت في عضد المجتمع، ولا تقل إشاعة الخوف والذعر بين الناس عن إساءة التصرف في الحالتين السابقتين.
تكفي الحسرة والأسى الظاهرين على وجه وزير الصحة، وهو يعلن الخبر الحزين، حسرة خلفت الألم والأسى في عيون الأردنيين جميعاً.
أستاذ مشارك في الصحافة والنشر الإلكتروني