د. عزت جرادات
د. عزت جرادات
عاد يوم الكرامة الخمسون هذا العام بحلة جديدة إن لم تكن مختلفة، فقد كان يغلب على طابع ذكرى الكرامة… نمط بروتوكولي تقليدي أكثر ما يكون ذا طابع رسمي… مع استثناءات لدى تلك المؤسسة أو ذلك التنظيم الشعبي… فيمكن القول أن ذكرى الخمسين لمعركة الكرامة جاءت ذات طابع مجتمعي ونكهة ذات عمق وجداني… فالظروف التي تمر بها الأمة، والمشاهد التي يعيشها المواطن بما تحمله من دم يراق، وقيم تذبح، وسياسات تفترى… وغير ذلك… ربما لامستْ أحاسيس كامنة، وأحانين متشوقة لكرامة الأمة… فكان التعبير المجتمعي الشامل إلى حد كبير عفوياً وتلقائياً بدافعية تتحدى الإحباط…
لقد عبرت معظم المؤسسات الوطنية المجتمعية عن تعظيمها ليوم الكرامة، بندوات أو محاضرات أو تحليلات عسكرية وسياسية، استلهاماً للعبر والدروس التي توظف للمستقبل من جهة، والتحدي لروح الإحباط التي تعاني منها الأمة من جهة أخرى.
وكان من بين هذه المنتديات أو أساليب التعبير أن لم تكن من أبرزها، تلك الندوة التي نظمتها (جمعية الشؤون الدولية) فجمعت التحليل العسكري النابع من إحساس معاش، ورؤية موضوعية قدمه الفريق المتقاعد فاضل علي السرحان؛ والتحليل السياسي النابع من مسيرة سياسية ورؤية منهجية تعايش معها الدكتور جواد العناني، والمشاركة الغنية التي أسهم بها الحضور الكريم، نابعة من أدوارهم القيادية، السياسية والعسكرية والفكرية، ممن عاشوا تلك المعركة وما قبلها وما بعدها… ويمكن الوقوف عند معطيات هذه الندوة:
كان الحشد العدواني غير العادي مؤشراً على أن ثمة عدواناً يجري الإعداد له… الأمر الذي جعل هذا التوقع استنتاجاً يستوجب التهيئة والأعداد المضادّ.
كانت الغطرسة العسكرية الصهيونية واعتداءاتها على الجبهة الأردنية مؤشراً على عزمها على فرض واقع جديد، متمثلاً باحتلال وسيطرة جغرافية على مناطق ذات أهمية… مفترضة أن التفوق العسكري سيحسم المعركة.
أما في الجانب الآخر، كما أبرزته الندوة:
فكانت الروح المعنوية العالية تنتظر موقفاً للتحدي والثأر واثبات القدرة العسكرية بقيادة وطنية تمتلك الرؤية والخبرة الذاتية، تحاكي تلك الرؤية التي تميزت بها معارك سابقة… ومعركة (باب الواد… واللطرون) نموذجاً، ابداعاً عسكرياً.
وكان القرار السياسي حاسماً في التصدي والمواجهة… مهما كان الثمن… فلا تتوقف المعركة إلا بانسحاب كامل لقوى العدوان… ووظفت هذه المعركة في مواقف سياسية لاحقة، رؤية وطنية.
أن الرسالة المستمدة من هذه المعركة، ربما لم تصل إلى عقول الأنظمة العربية، آنذاك، التي لم تدرك أنها معركة جيوش: جيش معتد أثيم، وجيش قوي آمين، وظلت العاطفة هي التي تتعامل مع المعركة لسنوات طويلة… وعلى سبيل المثال، لم تأخذ هذه المعركة مكانتها في الكتب المدرسية بما تستحقه إلى أن جاءت خطة التطوير التربوي (1989-1998) التي أبرزت أهمية التعريف بالبعد الوطني من خلال مثل هذه المواقف الوطنية وخلال مراجعتي لكتب التربية الإسلامية واللغة العربية والعلوم الاجتماعية لمرحلة التعليم الأساسي، والتي أثيرت حولها ضجة عاطفية ونشرتها في (الدستور)… فقد سررت أن وجدت (معركة الكرامة) في أكثر من مكان في تلك الكتب المدرسية بما تستحقه.
ولا يفوتني أن أذكر تلك الجولة الميدانية التي نظمتها (مديرية التوجيه المعنوي- القيادة العامة) لخمسين قيادياً تربوياً- بعد المعركة بفترة وجيزة- حيث أطلعنا ليوم كامل على جغرافية المعركة مع شرح عسكري لمواقف المواجهة… ووقفنا على خطورة أهداف العدو وما ينتج عن ذلك- لا سمح الله- من احتلال لمناطق جغرافية ومرتفعات ذات أهمية عسكرية والأخطر من ذلك تعميق الجراح والإحباط الذي تولد ما بعد حرب (1967م).
وثمّ نقل ما أمكن نقل عن جغرافية هذه المعركة وعوامل الانتصار فيها، وأهميتها في الصراع العربي- الصهيوني إلى المدارس وعقد الندوات فيها بالتعاون والتنسيق مع (مديرية التوجيه المعنوي- القوات المسلحة)، فتحية لأرواح شهداء الكرامة والوطن.