مصطفى الشبول
يروي لنا أحد الأشخاص الذي شارف على أبواب الخمسين من عمره قصته ومعاناته مع أبنائه الذين أصبحوا شباباً ، حيث يقول: لي من الأولاد ثلاثة ذكور ومثلهم إناث، أصغرهم في العاشرة من عمره وأكبرهم على أبواب الثلاثين ، إلا أنني فقدت زمام الأمور والسيطرة على البيت وعلى الأولاد وكأن نظام البيت تحول إلى نظام فدرالي، أي كل ولاية مستقلة بحد ذاتها وبقراراتها وأنا لا أمثلهم و لا أحد يتذكرني إلا وقت المصائب والمشاكل أو الحاجة إلى المال ، ويكمل قائلاً: ربما يكون الخلل كان عندي منذ البداية عندما كنت لا أعطيهم الوقت الكافي ولا أهتم بمشاكلهم ولا أناقشهم ولا أسمع لما عندهم من أفكار ، أو أن الخلل كان عند أمهم ( وهو الأرجح) بسبب عدم إعطائي دوري الحقيقي في البيت حيث كانت تتجاوز كل قراراتي وتكسر معظم كلامي، مما هان على الأولاد ما هو الأب ؟ وماذا تعني كلمة الأب في البيت … ؟
نقول رحم الله الأيام السابقة ،ورحم الله أيام الآباء عندما كانوا يدخلون البيت وبمجرد سماع صوته على الباب يختلف كل شيء بالبيت ويسود الهدوء ويأخذ كل فرد حجمه ويعود الكل إلى طبيعته ، فلا أحد يتعدى على حق الآخر بحكم السن ، ولا يتجاوز أحد حدوده بحكم الدعم والتقرب من الأم … فقد كانت الأم سابقاً ترسّخ في أذهان وعقول الأولاد معنى الأب وقيمة وجوده في البيت مما يزيد فرض هيبته الموجودة بالفعل ، وتجد لسانها دائم الذكر بمحاسن زوجها أمام الأولاد ولا تسمح لأحد بالتعدي على الأشياء الخاصة بالأب ولا حتى بانتقاده ، و على قول ( كل شيء ولا أبوك ، أبعد عن أواعي أبوك ، والله لأقول لأبوك لما ييجي ، لما ييجي أبوك بصب الغداء ….. وهكذا)
وعلى سبيل المثال ومن باب المقارنة ما بين الماضي والحاضر ، كان الشاب إذا ما ابتلي بالتدخين لا أحد في بيته يعرف انه مدخن لأنه كان يذهب إلى شعاب البلدة من أجل التدخين حتى لا يسمع والده أنه يدخن وهذا كله من باب الاحترام والإجلال لوالده ، أما اليوم فتجد بعض الشباب يحمل باكيت الدخان والارجيلة أمام والده (وطبعاً الولد قاعد لا شغله ولا عمله ) وإذا ما أراد الأب انتقاده تتصدى الأم (محامي الدفاع) للأب : شو بدك منه خليه مثل الشباب ينبسط ويكيف ، وإذا بتضايقه بتخاف يعمل بحالة شيء … فهذه التصرفات من بعض الأمهات أضعفت شخصية الأب في البيت واتجهت لطمسها ليتطاول بعض الأبناء على الآباء وكأنه لاشيء في البيت.
فمتى سيعود الأب إلى دوره الحقيقي بالبيت ؟ ومتى سترجع الأم إلى عهدها السابق وتستخدم الحكمة في تقوية عرين زوجها وزرع هيبته في البيت وبين أبنائه؟
( فدولة السيف لا تقوى دعامتها ، ما لم تكن حالفتها دولة الكتبِ)