اسعد العزوني
حكيم ومهندس العلاقات العربية –التركية
حظيت بشرف الدعوة لحضور محاضرة لمستشار الرئيس التركي السابق عبد الله جل البروفيسور أرشد هورموزلو ،تلقيتها من منبر المعرفة والتنوير في الأردن منتدى الفكر العربي،وكان جل همي كتابة خبر عن فحوى المحاضرة وربما أحظى بمقابلة خاصة ،وكفى الله المؤمنين شر القتال.
لكنني وفي تلك الأمسية الماسية خرجت بكنوز شتى ،الخبر والمقابلة والأهم من ذلك إنني إكتشفت سياسيا غير كل السياسيين الذين عرفتهم خاصة من غير العرب ،وقد وجدته يتقن لغة الجنة والقرآن الكريم بدون أن يلحن بحرف،وهو بحر العلوم والسياسة بالمعنى الحرفي لهما ،وليس مجازا.
يتقن هذا الرجل فن تشخيص الداء ووصف الدواء ويتسلح بالمنطق والوضوح والصراحة ،ولا تأخذه في الحق لومة لائم،فهو وفي غمرة إنسحاق سياسيي المنطقة أمام الهيمنة الأجنبية ،يخرج على الملأ ويقول ان هذه المنطقة هي للأقانيم الأربعة فقط ،وهم العرب والأتراك والفرس والأكراد،ووالله لو لم يقل سوى هذه العبارة في حياته لكفته إلى يوم الدين.
كان الرجل ممعنا في الوضوح بقوله أن بلاده لا تريد التوسع ،وهي تعرف من يرغب بالتوسع على حساب المنطقة وأهلها ،في إشارة منه إلى مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية التلمودية التي تريد إلتهام الجميع،ويمعن في الوضوح عندما يقول ان القضية الفلسطينية ليست قضية العرب والمسلمين فقط ،بل هي قضية الإنسانية وأحرار العالم،وهذه رسالة مسجلة يجب أن تصل إلى الجميع.
عندما تحدث عن المنطقة إستل مقص النطاسي الجراح وقال مشحصا الداء إنها ظاهرة صوتية أتقنت فن الشجب والإستنكار والإدانة ،وأسرع في وصف الدواء بقوله إننا بحاجة لتقديم البرامج اللأزمة للتغيير الإيجابي ،وإننا نتعامل مع اللحظة وتغلب علينا ظاهرة ردود الفعل ونفتقد إلى البراجماتية الأخلاقية ،في حين إن الآخرين يتعاملون مع الزمن ،وتجاوزوا عصور الظلام وخلافاتهم وصنعوا وحدة قوية ،أما نحن فما نزال نعيش عصور الظلام تغرقنا خلافاتنا الوهمية.
هذا الرجل ليس سياسيا يقف عند اللحظة ويتشبث بها حفاظا على مكتسباته ،بل هو رجل مرن عقلاني إصلاحي يدعو لإصلاح التعليم والتركيز على التعلّم،مسلطا الضوء على ظاهرة نعاني منها وهي ان هناك من لا يفرق بين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.
يدعو هذا السياسي التركي إلى إعتماد البراجماتية الأخلاقية التي لا تتنازل ولا تفرط بالثوابت والأسس،ويتسلح بالمنطق والإقناع عندما ينفي إدعاءات البعض الحاقد على تركيا إنهم يريدون إعادة العثمانية الجديدة ،وهو هنا لا ينفي ذلك فحسب بل يقول أن لكل مرحلة مفاهيمها ،وبالتالي لا توجد عثمانية ولا فارسية ولا رومانية أو أموية جديدة ،لأن التاريخ طوى كل تلك الإمبراطوريات ومشى إلى أشكال أخرى.
ولأنه يتسلح بالمنطق فإنه لا يصدر أحكاما جوفاء ،بل يصدر أحكاما حكما ،وخاصة عندما يقول أن هناك من أوقع بين العرب والأتراك بتأليبه الأتراك على العرب،لأنهم رفضوا الإمبراطوية العثمانية ،وتأليبة العرب على الأتراك بأن الأتراك ظلموا العرب وهكذا دواليك.
هذا الرجل صاحب نظرية مميزة وهي دعوا الحكومات تختلف فيما بينها ،وأن على النخب في المنطقة عدم الإنخراط في تلك الخلافات ،بل عليها إعتماد سياسة الحوار لتجسير الهوة في ما بيننا وخاصة العرب والأتراك،ويقيني إننا نفتقد مثل هذا التوجه ،ونفتقد لأمثاله من السياسيين الذين يقومون بسجن من ينتقد سياساتهم ،في حين يقول إنه شخصيا يتواصل مع الكتّاب الذين يهاجمون تركيا ويتحاور معهم.
المستشار هورموزلو ليس شخصا إعتياديا بل جامعة لا حدود لها وبحر للعلوم السياسية لا قرار له ،ونحن في هذه المنطقة بحاجة لأمثاله كي نتجاوز واقعنا المرير ،وهو رجل حوار وداعية سلام ورجل وساطات في حال وجد من يرغب بحل مشاكله مع الآخرين ،وهو مهندس العلاقات العربية –التركية وحكيمها.
المستشار التركي الذي نتحدث هو خير من يمثل تركيا والعالم الإسلامي في المحافل الدولية ، لقدرته على طرح ومعالجة القضايا التي تهم العالم الإسلامي ،ولحصافته وتميّز تواصله مع الجميع ،كما إنه الأجدر بعقلانيته أن يكون رئيسا لمنطمة التعاون الإسلامي ،لضمان جودة عملها وحماية حياديتها ،وحتى تكون الصوت الإسلامي المسموع في العالم.