اسعد العزوني
منذ توليه مقاليد الأمور خلفا للراحل الحسين عام 1999،وجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين يحاول ترجمة أفكاره كشاب متحرر ومنفتح ،لإخراج الأردن إلى مصاف الدول العصرية، ونيلها مرتبة تليق بها وبقيادتها وبشعبها متعدد الأعراق والأجناس في شراكة عز نظيرها في الإقليم،ولكن جلالته إصطدم بصخرة تليدة إسمها الفساد وقوى الشد العكسي،أو ما يطلق عليهم الحرس القديم،أو ما يطلقون هم على أنفسهم ” كبار البلد وكراسيها”،وينظرون إلى البلد وكأنه مزرعة لهم ولأبنائهم من بعدهم.
لعب جلالة الملك دورا مهما في إنقاذ البلد إبان ما يحلو للبعض تسميته “الربيع العربي”أو “ربيع الأردن”، وأوصل بسياسته وحنكته البلد إلى بر الأمان بدون أي خسارة تذكر،وسجل الأردن بقيادة جلالة الملك سبقا مبهرا ،بعدم سفك ولو نقطة دم واحدة،أو هدم طوبة واحدة من أي مبنى ،بل على العكس من ذلك تلاحم الحراكيون في أغلب المرات مع رجال الدرك في مشهد أخوي مثير،وكان الدرك يقدم لهم الورود والمياه،وأحيانا كانوا يصلّون جماعة لا فرق بين حراكي ودركي،وظهرت بصمة جلالة الملك الذي تجاوز كافة الأفخاخ التي كانت موضوعة في طريقه للتشويش عليه ،وتوجيه ضربة للأردن الصامد في وجه رياخ الخماسين التي تهب عليه من الجهات الأربع،وخرج الأردن سالما.
من يتمعن في المشهد الأردني يجد أن قوى الشد العكسي والفاسدين عموما، يتحالفون مع أعداء الأردن الخارجيين وآخر المحاولات ما قام به ولي العهد السعودي بن سلمان عندما أرسل إلى الأردن 45 ضابط مخابرات تحت غطاء الإستثمار لإغتيال جلالة الملك، بالتنسيق مع النتن ياهو ولكن عيون الحق التي لا تنام ،قادتهم إلى السجون والقصة معروفة،وكان الهدف تقويض سلطة جلالة الملك في الداخل وشطب دوره الراسخ في الإقليم،ملكا معرفيا حاز على أعلى الجوائز العالمية في مجال المعرفة وآخرها قبل أشهر،وكان رجل العام 2020 رغم نوعية وحجم المرشحين من أصحاب الثروات والذين يسوسون عشرات الملايين.
وبناء على ما تقدم ،وبما أننا في خضم الإحتفالات بالمئوية الأولى لتأسيس الدولة الأردنية،فإن المطلوب من أجل “تصفيح”الجبهة الداخلية، إقامة تحالف فولاذي بين السلطة والشعب،وتشكيل حكومة جديدة وإنتخاب برلمان جديد،على أسس المشاركة الفعالة والإيجابية المبنية على المواطنة الحقة وعنوانها الأردن ،البوتقة التي ينصهر فيها الجميع.
علينا الخروج من عنق الزجاجة وإستغلال ثروات بلادنا والنهوض بدور الأردن إقليميا ودوليا ،والخروج من دائرة المنح والقروض الدولية المهينة والمذلة ،التي تقيدنا وتعيق من حركتنا،وربما تضعفنا،وعلينا أيضا الإبتعاد عن النزعات الإقليمية المؤذية ،التي لا تليق بأهل أرض الحشد التي قدر لها الله منذ بدء الخليقة ،أن تكون سندا وعونا ومنطلقا لتحرير أرض الرباط فلسطين والقدس،فأي شرف منحه الله لهذه الأرض ومن عليها؟
عندما يتدثر القائد بشعبه ،لن تجرؤ أي قوة عالمية مهما كان جبروتها، وعلينا الإبتعاد عن مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية التلمودية قدر الإمكان،حتى نأمن شرها ،فهم ما يزالون يؤمنون بأساطيرهم المتخيلة وهرطقاتهم الشاذة ،بأن عليهم الإستحواذ على عمّان أيضا ،ضمن “شرق الأردن”وكذلك البتراء ،وهم مصرون أيضا على أن الأردن هو فلسطين ،وينكرون وجود الأردن أصلا.
جلالة الملك يدفع فواتير الفاسدين وقوى الشد العكسي المذعورين من إنتقاص مساحة نفوذهم ،وكذلك فواتير المقصرين من الساسة الذين لا ينجزون ،وجلالته يعلم ذلك جيدا،ولذلك نقول من قبيل النصيحة أن علينا تشجيع المعارضة الوطنية على مواصلة النهج المعارض وفق الأصول وتحريم الإرتباط والتمويل من الخارج،وأن تكون المعارضة سليمة ومبنية على برامج تنموية وحكم رشيد وديمقراطية وحرية ولديها القدرة على الرقابة على السلطة الحاكمة ،وأن نصل إلى مرحلة الحكومة البرلمانية التعددية التي لا يهيمن عليها لون أو طيف سياسي واحد ،وأن نعتاد على التبادل السلمي للسلطة مع حفظ هيبة جلالة الملك،كما يحدث في العالم المتقدم ،فنحن في الأردن لا نقل وعيا أو انتماء ووطنية عن الآخرين،ولكن يجب هدم جدار قوى الشد العكسي والفساد أولا،وهذا يتطلب دعما شعبيا لجلالة الملك،وأن نختار من القامات الأردنية الموجودة ما هو كفؤ وقادر على تحقيق التغيير النوعي في البلد.