
بقلم: ماجد توبة
وحده البرد وأجواؤه القارسة في بلادنا ما يتمكن من نخر الروح بعد الجسد، ليعيدك الى الحقيقة الأولى هنا، أنك، كما أغلب أقرانك من أردنيين، مجرد فقراء مسحوقين، تعجزون كل عام وكل شتوية عن التنعم بالدفء الكافي والحقيقي في بيوتكم!
يصعب على الجوع، بمفهومه المطلق، أن يذكرنا بفقرنا وبتردي أوضاعنا المعيشية، نحن غالبية الأردنيين، فرغيف الخبز، الذي يمكن له أن يعطي الإنسان شعورا مضللا بالشبع واكتفاء الحاجة للغذاء، مقدور عليه من قبل الأغلبية، لكن القادر على إعادتك لهذه الحقيقة المرة هو البرد، والعجز في أغلب بيوتنا عن توفير التدفئة الحقيقية والكافية سواء كنا فقراء أو طبقة وسطى مزعومة، أو ما تبقى من اطلال لها بعد “النجاح بامتياز” بتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي.
هل أتفلسف هنا؟ ربما! لكني أعتقد أن البرد والعجز عن التعامل معه، هو الحقيقة الأكثر فجاجة ووضوحا لدى أغلب الاردنيين. نقف، أغلبنا كما اتخيل، عاجزين عن توفير مقومات مواجهته في الأشهر الثلاثة أو الأربعة التي يزورنا فيها سنويا.
لا أعلم كم هي نسبة الأسر الأردنية التي تعتمد على التدفئة المركزية في بيوتها، لكني أعتقد أنها في تراجع ملحوظ وواسع خلال سنوات “التحرير” الاخيرة، وأقصد طبعا تحرير أسعار المحروقات، وشمول الديزل بالمساواة بالسعر وفق أسعار السوق. والملاحظ أيضا ان الذين ما يزالون يعتمدون على هذه النوع من التدفئة باتوا مع ارتفاع أسعار الديزل مضطرين لخفض ساعات التشغيل لهذه التدفئة ترشيدا للكلفة.
أما عن التدفئة المعتمدة على الكهرباء فقد تراجع الاعتماد عليها أيضا بصورة كبيرة، بعد أن حاصرتنا حكومتنا “الرشيدة” بمتوالية رفع أسعار الكهرباء.
لم يبق لنا إلا الكاز والغاز مصدرا للتدفئة. وأزعم أن أغلب الأردنيين فقراء ومحدودو دخل وما تبقى من أطلال الطبقة المتوسطة، يعتمدون التقنين والترشيد في استهلاك هذين المصدرين، فيما لم يوفر الغلاء باقي حاجات الأسر، من مأكل وملبس ومسكن ودراسة أبناء، ما يترك معظم أجزاء البيت، باستثناء غرفة أو اثنتين في الغالب، جزءا من “الأسكيمو” والقطب المتجمد الشمالي!
قاس على القلب الحديث عن رؤية مواطنين يقفون بطابور الكاز وهم يحملون عبوة بيبسي فارغة (لتر او لتران) لملئها بقليل من كاز، لتظفر أسرهم بقليل من الدفء، وهو مشهد أزعم أننا لم نكن نراه قبل “التحرير”! تماما كما لم نكن نرى قبل هذا “التحرير” لجوء مقتدرين وأهل خير يجمعون ويوزعون عبوات الكاز على فقراء، باتوا يتسعون انتشارا على مساحة هذا الوطن!
كم بت أكره الشتاء والبرد، ففيه تظهر حقيقتنا ومعاناتنا جلية وفاقعة من دون رتوش او محسنات، فقراء ومسحوقين، أكل علينا صندوق النقد الدولي وشرب، بعد أن جردتنا حكوماتنا من كل مقومات الصمود، وتركتنا عراة، نرجو دفئا بات عزيزا وصعب المنال!