د.حسام العتوم
بيروت عروس البحر , و لبنانها سويسرا العرب , هكذا هو انطباعي السابق. وسبق لي ان زرتها عام 2010 بدعوة من مؤتمر للصليب الاحمر , و تجولت في عاصمتها الجميلة , و تحديدا في سوليديرها ,فماذا اصابهما ؟ وكيف ؟ دعونا نتأمل , ونبحر في مأساتها الدموية الاخيرة التي وقعت يوم الثلاثاء المنصرم بتاريخ 4 اغسطس الحالي من هذا العام 2020 . وبداية ادعو هنا لكي نبعد تاريخ الحدث الكارثي الاخير عن سياسات لبنان التي تتموج عبر احزابها , و طوائفها . و مأساة الامس لاعلاقة لها بطبيعة الحال بالسياسة بقدر ما لها علاقة مباشرة بمسار الدولة اللبنانية الاداري , و اقتصادها , و نظامها الجمركي , و الرقابة على عليهما وعلى المال العام , وهما المحتاجان لاعادة الهيكلة , و لمواصلة البناء التنموي الشامل خدمة للبنان الثقافة و الحضارة , و التاريخ , و الجمال . ومما لا شك فيه في المقابل , فأن لغياب وحدة العرب الحقيقية تأثير سلبي على كل ما يجري وسطنا نحن العرب . ولاعلاقة لاسرائيل المحتلة لمزارع و تلال شبعا, و للجولان – الهضبة السورية , و لفلسطين بالحدث اللبناني الاخير بكل تأكيد .
وقصة الانفجارين المرعبين في ميناء بيروت ارتبطت بسفينة ” روسوس” التجارية التي امتلكها الى جانب اسطول بحري من السفن رجل الاعمال الروسي الشاب حامل جواز السفر القبرصي و المقيم في قبرص ايقور غريتشوشكين تاجر نيترات الامونيوم , و الحديد , وهو الذي سجلها في جزر مارشال في المحيط الهادي , و ابحر بها من جورجيا ( باتومي) بأتجاه موزمبيق , وعاصمتها مابوتو في جنوب شرق افريقيا . و قدمت ( روسوس ) و حمولتها من الامونيوم وبحجم 2750 طنا الى ميناء بيروت عام 2013 بهدف تحميل مادة الحديد الثقيلة ايضا . ,وعلى ذمة قناة RT التلفزيونية , ومجلة ترسانة الوطن , وكامسامولسكايا برافدا بتاريخ 7 اغسطس 2020 , فأن الخبير الروسي فيكتور موراخوفسكي اعرب عن اعتقاده بأن مادة الامونيوم سرقت و بكميات كبيرة منها في مخزنها اللبناني , و الا لمسحت بيروت عن الخارطة . وحسب قول لقائد السفينة بوريس بروكشيف فأنه تم التخلي عن السفينة في تركيا لاسباب مالية , و تم البحث عن طاقم اخر لقيادتها الى الامام الى موزمبيق بقيادة بوريس نفسه , و في منتصف الطريق تقرر العروج على بيروت لتحميل صفقة حديد اضافية , وهو الامر الذي تسبب في غرق السفينة بالتدريج فيما بعد,و اصطدمت ومن عليها بحواجز قانونية لبنانية بسبب الديون المستحقة عليها . و احتجزت السفينة 11 شهرا مع طاقمها , ثم تم الافراج عن طاقمها لعدم علاقتهم بالمشكلة المادية التي تسببها مالكها الروسي- القبرصي . و بعد ذلك تم افراغ شحنتها من الامونيوم في العنبر رقم 12 المخصص للبضائع العالقة بميناء بيروت . وتم الكشف عن مادة الامونيوم الخطيرة القابلة للانفجار و التي تشبه مادة ال( تي . ان . تي ) من قبل خبراء لبنانيين قبل نصف عام , و تركت السفينة تغرق في البحر . ولم يتم اتخاذ اي اجراء وقائي خاص بالسلامة العامة . و حديث اعلامي عن تزامن وجود اعمال انشاءات مجاوره ساعدت في احداث الانفجار الى جانب اشعة الشمس الشديدة .
و سفينة ” روسوس ” هذه تشبه قصة سفينة تيتانيك عام 1912 , التي غرقت في المحيط الاطلسي و هي في طريقها الى نيويورك مع فارق المأساة التي خلفتها روسوس ببيروت و عموم لبنان , , واكثر من 150 شهيد , و حوالي 5000 جريج , الى جانب خسارة مادية مليارية كبيرة , و ثقيلة على الاقتصاد اللبناني الذي يعاني اصلا من المديونية و الترهل , حيث بلغ الدين العام الخارجي نهاية 2019 ( 91) مليار دولار. , وتوقع تراجع ايرادات ميناء بيروت الى اقل من 200 مليون دولار حتى نهاية هذا العام 2020 . و غضب في الشارع اللبناني بعد حادثة التفجير في مكانين متقاربين , و مظاهرات, و اتهامات للحكومة بالفساد , و تحميلها مسؤولية التقاعس , و عدم المساءلة في الوقت المناسب , و هتاف للشارع اللبناني يختزل ما يجري في لبنان ” كلن يعني كلن ” , بمعنى دعوة النخبة السياسية الحالية الحاكمة للرحيل . وهنا شخصيا ادعو الشارع اللبناني لضبط النفس , و لتقديم مصلحة لبنان العليا على كل الهتافات و الشعارات , في وقت يشهد فيه لبنان في ازمة خانقة .
جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ” حفظه الله ” كان في صدارة زعماء العرب بأسم الاردن في تعزية الرئيس اللبناني العماد ميشال عون , و مد يد العون للبنان عبر ارسال طائرتين عسكريتين طبيتين على عجالة بهدف فتح مستشفى عسكري طبي هناك في بيروت لمساعدة الاشقاء اللبنانيين . وحملة تبرعات بالدم للبنان من قطاع غزة , ,و اتصال هاتفي اجراه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع نظيره اللبناني العماد عون لتعزيته بحادث الانفجار في بيروت ,ومستشفى ميداني قطري و تعزية من امير قطر . و مساعدة طبية للبنان من مركز الملك سلمان في السعودية , و حملة تبرع بالدم من مركز الامل للبنان . و رسميا في الرياض لازال موضوع الصحافة اللبنانية الحرة و قضية الصحفي الخاشقجي عالقا في الذهن رغم الاعتذار اللبناني الرسمي , وهو الملاحظ . واعلان رسمي ايراني من قبل وزير خارجيتها جواد ظريف لمساعدة لبنان بعد حادثته المؤسفة , واتهام غير رسمي ايراني لامريكا و اسرائيل بحادثة بيروت غير مقنع . ووجهت روسيا ايضا خمسة طائرات طبية عسكرية الى بيروت , وقدم الرئيس بوتين تعازيه للرئيس اللبناني عون بالحادثة حسب وكالة الانباء المصرية ( أ . ش. أ ) و شبكة RT المتلفزة , وهو موقف روسي مشكور و مقدر . ووصل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت , و الى مكان الحدث و خاطب الشعب اللبناني واعدا بمساعدتهم مباشرة و بقوة و انقاذ اقتصاد بلادهم الذي يمر في ظروف صعبة . و قوبل ماكرون
بهتاف ” تحيا فرنسا ” , و بالفرنسية مباشرة . وهو من وجهة نظري لايعني عودة الانتداب الفرنسي الى لبنان مجددا كما اشيع , وهو الذي تخلصت منه لبنان عام 1946 بحصولها على الاستقلال , بينما عنى الترحيب بالرئيس الفرنسي صديق لبنان الذي قدم الى بيروت لمساعدتهم . واضاءة للاهرامات المصرية بعلم لبنان تضامنا مع لبنان المنكوب . و مسألة اضاءة بلدية تل ابيب بلون العلم اللبناني حسب ما جاء في الاعلام , ومنه شبكة RT لايعني تشفي اسرائيل على حادثة الانفجارين المأساويين , وانا هنا لا ادافع عن اسرائيل لا سمح الله , وانما هو نوع من التعاطف مع صدى الحادثة المرعبة , وان كان الشعب اللبناني لا يقبل اي تعاطف اسرائيلي معها بكل تأكيد , و عرض اسرائيلي لنقل جرحى قوات الامم المتحدة ( اليونيفيل) في بيروت الى داخل اسرائيل . و شخصيا احترم خيار الشعب اللبناني في تقرير مصيره الوطني , و احترم مشاعره الوطنية الرافضة لاسرائيل ايضا . ولا زالت اراضي لبنانية واقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي مثل مزارع و تلال شبعا , و اسرائيل مطالبة بالخروج منها , و بأنهاء احتلالها لاراضي العرب كافة التي احتلتها عام 1967 , انسجاما مع قراري الامم المتحدة , ومجلس الامن , ومنها 242 , و 338 .
وشخصيا اشكك بشدة بعلاقة حزب الله بحادثة انفجار بيروت قبل ايام لقناعتي الاكيدة بأن ما حدث ليس هدفا للحزب المتمرس في حالة دفاع و مراقبة مع اسرائيل منذ عام 2006 . و يوجد في المقابل من يؤشر على الحزب , و يوجه له اتهاما مباشرا مثل الكاتب محمود ابو طالب من صحيفة عكاظ السعودية لمعلومات سابقة لديه في قبرص ارتبط فيها اسم الحزب بمادة الامونيوم الخطيرة . وبادر الرئيس السوري بشار الاسد في ارسال برقية تعزية للرئيس اللبناني عون بالحادثة , ولم يعد مقبولا من اية جهة ربط حادث بيروت بالماضي السوري في لبنان , و التاريخ قادر على طي الصفحات و القدوم بالجديد . و الرئيس التركي رجب طيب اوردوغان اجرى اتصالا هاتفيا مع الرئيس اللبناني عون معزيا و معربا عن استعداد بلاده لتقديم العون للبنان المنكوب . وهنا يصعب الربط من جديد بين التدخل التركي في شؤون العرب في سورية مثلا وبين حادثة بيروت , وفي السياسة لايوجد ميدان واحد او اتجاه واحد . الرئيس الامريكي دونالد ترمب شكك بهدف الانفجار في بيروت , ووعد بتقديم العون للبنان في ازمته . و المعروف ان بلاده امريكا تمتلك واحدة من اقوى الاجهزة اللوجستية في العالم , , و المعروفة بأسم ال (CIA ) . وثمة فرق بين العبث الامريكي بشؤون العرب بطبيعة الحال , وما بين حادثة بيروت و لا علاقة ارتباط اكيد . , و بالمناسبة حادثة بيروت ليست الاولى في تاريخ العالم ,فلقد سبقتها احدثا مماثلة في المانيا , وفرنسا , و امريكا , و اوكلاهوما ,و تولوز ,و كويا الشمالية , و تكساس , و الصين .
وفي مثل هكذا حادثة دموية , و بكامل طابعها الانساني , وعدم الارتباط بالسياسة و تقلباتها , فأن الشعور القومي العربي يتطلب توحيد الخطاب العربي , و التأسيس لصندوق دائم على شكل مؤسسة تعمل بقانون لتقديم العون المالي و غيره لمعالجة الازمات و الاحداث الطارئة . و لتقديم المساعدة المالية للدول العربية التي تعاني من ضائقة اقتصادية خانقة و تراكمات . ومال العرب الاصل ان يوجه لخدمة العرب و قضاياهم الشائكة المتعددة اولا و اخيرا . وأن اوان ان نبعد الاستعمار الاجنبي عنا نحن العرب , المباشر منه وغير المباشر , ولكي نخلص منطقتنا من كافة انواع الاحتلالات مثل الاسرائيلي , و الاختراقات كذلك مثل الهلال الشيعي . و لنعود لوحدتنا العربية التي دعانا لها شريف العرب و ملكهم الحسين بين علي طيب الله ثراه عبر ثورته العربية الكبرى المجيدة التي انطلقت من مشارف مكة عام 1916 . ومثلنا الشعبي الاردني العربي يقول ” ماحك جلدك مثل ظفرك ” , و ” مابحرث الارض غير عجولها ” , و للكلام بقية .. .