رمزي الغزوي
صباح الخير يا آذار. يا هذا الشهر الحاشد بأحلام ربيع يكتنز دحنوناً وفراشات وأقحوان ومسرات. صباح الخير يا أيها الحب المخبأ برجفة عطر خجلى لحبيب سيطلع مثل نهار دافئ عما قريب. صباح الخير يا آذار، فقد كنت يوم أمس أرواد ثلة غيمات بعيدات، علني أملأ قبضة من قطن ناصع البياض أحشو به وسادة رأسي.
ستظل سيد الأشهر، ورأس الدنيا يا وجه الخير. فيك من الشتاء حميمية، وفيك كمون بحضن الدفء اللذيذ المشرب بكسرة النعاس!. وفيك من الربيع نوّار وأزهار، وبعض طيور عجولة بكرت في غزلها. وفيك من الصيف شمس قد تلذع عين العصفور!، ومن الخريف أشجار عارية تحمحمت أكثر من مرة بليفة المطر. صباح الحب يا آذار.
نكهةٌ أخرى أنت، نكهة أخرى لك، ومذاق ليس ككل الأشياء. أنت عبق نوّار اللوز، إذ يتدفق كنجوم الصبح على أغصانٍ عارية. جريء هو اللوز يا سيدي، جريء كقلب عاشق. أو كقلب ثائر.
لا تتعجلوا الصيف فما زال في الشتاء بعض رمق. فهو آذار (أبو السبع ثلجات كبار) يهل. لا تتعجلوا الصيف فتكونوا كالعجوز التي فرحت بانقضاء شباط وقالت: راح شباط وغرسنا بعينه مخباط (خشبة غليظة كانت تستخدم لدق الحبوب، أو لغسل الملابس)؛ فيغضب شباط مستغيثاً: آذار يا ابن عمي ثلاثة أيام منك، وأربعة مني، خلي العجوز توقد مغزلها والمكحار (خشبة رقيقة تستخدم في أفران الطابون(.
هو(مارس) في التقويم الروماني أي سيد الحرب، وكان يمثله كوكب المريخ، صاحب اللون الدموي. فإذا أخذتكم نظرة إلى الأفق الجنوبي الشرقي من سماء عمان، بعد العشاء في هذه الأيام؛ فستجدوا كوكب المريخ يتألق بوداعة وطراوة متناغماً مع أول أزهار الربيع.
ولكني أستغرب كيف ظلم هذا الآذار. ظُلم فألصقت به علاقة المريخ الدموي الحربي؟!. آذار أوان الحب لا أوان الحرب أيها العاشقون. فيا أيها الشهر الجريء كلوزة لا شرقية ولا غربية. يا أيها الجريء كثائر عاشق. ننتظر الثلج المكتنز في أثداء الغيم. ننتظر المطر من جديد غزيرا كي تكتمل أغنية الشتاء لدينا، فتضحك عيون الماء وتثور عباءة الأشجار خضراء خضراء.